اقتصاد ومال

زيارة الرئيس الصيني للمغرب: تطلّع نحو تعزيز الشراكة الاستراتيجية

يبحث المغرب عن تحقيق أقصى استفادة ممكنة من زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للبلاد، ضمن خطة أوسع لتنويع شراكاته الاقتصادية والتجارية، بعيداً عن الاتحاد الأوروبي الذي يستحوذ على 60% من تجارة المغرب.

ووصل الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المغرب أول من أمس الخميس، وغادرها أمس الجمعة، في زيارة قصيرة. والتقى الرئيس الصيني، في الدار البيضاء (غرب)، مديري شركات صينية بالمغرب، وفق مصدر مطلع لوكالة الأناضول. وأفاد المصدر ذاته بأن هذه اللقاءات المغلقة شملت سبل تعزيز التعاون بين البلدين.

وأحد أبرز المشاريع الاقتصادية التي تسعى المملكة لشراكة مع الصين، تدشين خط الغاز المغربي النيجيري، ومبادرة تعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي. كذلك، تراهن الرباط على بكين لإنجاح مشاريع، مثل السيارات الكهربائية، ومشاريع السكك الحديدية، ومشاريع أخرى في إطار استعداد المغرب لتنظيم كأس العالم عام 2030 برفقة إسبانيا وفرنسا.

ويرى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين أثمرت نتائج ملموسة، عبر تضاعف حجم الاستثمار الصيني بالمغرب خمس مرات من 2016 إلى 2023، بينما تضاعف حجم التبادل التجاري مرتين في الفترة نفسها.

زيارة الرئيس الصيني

وقالت وكالة أنباء المغرب إن ولي العهد الأمير الحسن استقبل في مطار الدار البيضاء (غرب)، الرئيس الصيني الذي يجري زيارة “قصيرة” للمملكة. وأوضحت الوكالة أن استقبال الأمير الحسن للرئيس الصيني، جاء بتعليمات من ملك المغرب محمد السادس. ولم تتطرق الوكالة إلى تفاصيل أخرى بشأن مدة الزيارة أو جدول أعمالها، لكنها ذكرت أنها تعكس “عمق علاقات الصداقة والتعاون والتضامن التي تربط الشعبين”.

وأطلق المغرب خلال السنوات الماضية مشاريع “ضخمة”، ما يجعله يبحث عن شركاء دوليين لتنفيذها بالكامل على أرض الواقع. واستعرض بوريطة خلال مايو/أيار 2024 مع نظيره الصيني وانغ يي، في لقاء جمعهما ببكين “المبادرات الأخيرة التي أعلنها الملك محمد السادس، خصوصاً تلك الرامية إلى تعزيز الاستقرار، والأمن، والازدهار الاقتصادي للبلدان الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، ومبادرة تعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي”.

وفي 23 ديسمبر/كانون الأول 2023، اتفق وزراء دول الساحل الأفريقي بمدينة مراكش، على إنشاء فريق عمل وطني في كل دولة، لإعداد واقتراح سبل تفعيل مبادرة دولية للملك محمد السادس، لاستفادة بلدان الساحل من المحيط الأطلسي. واستعرض بوريطة أيضاً “المشروع الاستراتيجي لخط أنبوب الغاز المغرب ـ نيجيريا الذي يطمح إلى تعزيز التكامل الإقليمي، وتحفيز التنمية الاقتصادية على طول الساحل الأطلسي الأفريقي وخارجه”.

ويرجع الاتفاق على تدشين مشروع أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا، خلال زيارة الدولة التي أجراها الملك محمد السادس لنيجيريا في ديسمبر/كانون الأول 2016. وسيمر الأنبوب بكل من بنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون، إضافة إلى غينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا.

وسيمتد أنبوب الغاز على طول يناهز 5660 كيلومتراً، وسيُشيَّد على عدة مراحل ليستجيب للحاجة المتزايدة للبلدان التي سيعبر منها إلى أوروبا.

زيارات واتفاقيات

شهدت الآونة الأخيرة زيارات بين مسؤولي البلدين، وُقِّع خلالها على اتفاقيات في قطاعات مختلفة. وفي هذا الإطار، بحثت وزيرة السياحة المغربية، فاطمة الزهراء عمور مع “راو تشوان”، نائب وزير الثقافة والسياحة الصيني، خلال يونيو/حزيران الماضي، سبل تعزيز التعاون السياحي بين البلدين.

كذلك استقبل رياض مزور، وزير الصناعة المغربي في مارس/آذار 2024، وانغ وينتاو، وزير التجارة الصيني، الذي زار المغرب في الفترة بين 29 فبراير/شباط و2 مارس/آذار 2024. وقال مزور حينها إن المبادلات التجارية بين البلدين ارتفعت بأزيد من 50%، ما يجعل الصين ثالث أكبر شريك تجاري للمملكة وشريكها الأول على مستوى آسيا، بحجم مبادلات إجمالي بلغ 7.6 مليارات دولار في 2022.

واعتبر أن الاستثمارات الصينية في المغرب سجلت في 2022 أكثر من 56 مليون دولار، وتتعلق بالأساس بالصناعة والنقل والعقار والطاقة والمعادن، مع استحواذ الصناعة على حصة تبلغ 52%. وبحسب وزارة الخارجية المغربية، ينشط في البلاد أكثر من 80 مشروعاً مشتركاً مع الصين أو شركات صينية، قيد الإنجاز في جميع أنحاء المملكة.

كذلك شارك رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، في سبتمبر/أيلول الماضي، في اجتماع رفيع المستوى حول “دعم التصنيع في أفريقيا، وتحديث الزراعة، والتنمية الخضراء على طريق التحديث”. وبلغ حجم التجارة بين الصين وأفريقيا حوالى 177 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري، وفق إعلام صيني.

وخلال 14 من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وقّع المغرب والمجموعة الصينية الأوروبية “غوشن هاي تيك” على مذكرة تفاهم لتصنيع بطاريات الليثيوم المخصصة للسيارات الكهربائية. وبحسب بيان لـ”صندوق الإيداع والتدبير” الحكومي، فإن البطاريات ستُصنَّع في مصنع قيد التشييد بمدينة القنيطرة (غرب). وستكون تكلفة المرحلة الأولى للمشروع 13 مليار درهم (1.3 مليار دولار)، ومن المنتظر أن يخلق 2300 فرصة عمل.

وساهمت بطاريات الليثيوم في الثورة التكنولوجية، عبر سرعة الشحن واستعمالها في الحواسيب والهواتف المحمولة والسيارات الكهربائية (يطلق عليها بطاريات الليثيوم أيون)، فضلاً عن وزنها الخفيف، واستعمالاتها المتعددة. وخلال مايو 2024، بحث الوزير بوريطة، مع نظيره الصيني وانغ يي، تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

وقال بيان حينها إن اللقاء شكل “فرصة للطرفين لبحث آفاق تطوير المبادلات الاقتصادية والتجارية، ولا سيما تلك المتاحة في المهن العالمية للمغرب، من خلال تشجيع الاستثمارات الصينية بالمملكة”. وبحسب البيان “تشكل مدينة محمد السادس طنجة تيك (تضم شركات متخصصة في التكنولوجية الحديثة) التي أُطلِقَت بمناسبة الزيارة الملكية لبكين سنة 2016، مشروعاً طموحاً لمدينة صناعية وذكية، وتوضح تقارب الرؤيتين المغربية والصينية”.

وأوضح أن “هذه المدينة تتطلع إلى أن تصبح حاضنة رئيسية للتقنيات المتقدمة، والمشاريع الصناعية للجيل الجديد، وتؤكد الاستثمارات الصينية المتنامية المسجلة في المملكة، ولا سيما في قطاعات التنقل الكهربائي، والسيارات، والطاقات المتجددة والبنية التحتية، نجاح هذه المبادرة”.

تطور العلاقات بين المغرب والصين

خلال مايو الماضي، قال وزير الخارجية المغربي إن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين أثمرت نتائج ملموسة، حيث تضاعف حجم الاستثمار الصيني بالمغرب خمس مرات من 2016 إلى 2023، بينما تضاعف حجم التبادل التجاري مرتين في الفترة نفسها، بما يجعل الصين الشريك الأول للمملكة آسيوياً.

كذلك، المغرب أول بلد في أفريقيا ينضم إلى مبادرة “الحزام والطريق” خلال يناير 2022. و”الحزام والطريق” مبادرة صينية تُعرَف أيضاً بـ”طريق الحرير” للقرن الحادي والعشرين، وتهدف إلى ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية، لربط أكثر من 70 بلداً.

المبادرة أطلقها الرئيس الصيني عام 2013، وهي عبارة عن مشروع يهدف إلى إنشاء حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى أفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي، بكلفة إجمالية تبلغ تريليون دولار.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى