حسين زلغوط – خاص رأي سياسي:
من نافل القول أن القطاع العام في الدولة من أكثر القطاعات التي تأثرت بالأزمة الأقتصادية والمالية التي ضربت لبنان منذ العام 2019 حيث التهم ارتفاع سعر الدولار مقابل انهيار الليرة رواتب موظفي هذا القطاع، الذي بدأت تتعطل مرافقه يوما بعد يوم، وبما أن عين الحكومة بصيرة ويدها قصيرة اتخذت على مدار الخمسة سنوات سلسلة من الاجراءات لمساعدة موظفي هذا القطاع على الصمود والتي بقيت جميعها قاصرة ولا وصف لها سوى انها ترقيعية، الى أن قرر مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة تسوية أوضاع هؤلاء من خلال اتخاذ رزمة حوافز مالية ابقتها خارج صلب الراتب.
صحيح أن اعطاء القليل خير من الحرمان، إلا ان هذه الاجراءات كانت محط انتقاد من الكثير من الخبراء والمحللين الاقتصاديين الذين رأى البعض منهم أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كرّرت خطيئة عام 2017 عند إقرار سلسلة الرتب والرواتب، مشيرين إلى أن الحكومة أقرت برنامجاً تضخمياً بامتياز، واصفين الزيادات بالمدسوسة.
في هذا السياق يقول الباحث في الدولية للمعلومات الإستاذ محمد شمس الدين لموقع “رأي سياسي” : لا يوجد رقم دقيق وإحصاء محدد لعدد العاملين في الوزارات والرئاسات او في المؤسسات العامة ، وأيضاً في القطاع العسكري، هذه أول معضلة ، حيث لا توجد دولة في العالم لا تعرف على وجه الدقة عدد العاملين لديها الذين يتقاضون رواتب، والأرقام تختلف فهناك من يقول ان هناك مائة الف عسكري ، وتسعون الفا في الادارات والمؤسسات والتعليم والبلديات، بينما هناك من يقول ان عدد العسكريين 110 الآف، وعدد العاملين في الإدارات والمؤسسات العامة قد يصل الى 130 الفاً، يعني هناك 230 الف يتقاضون رواتبهم من الدولة يضاف اليهم 124 الف متقاعد، اذاً هناك مشكلة عدد العاملين ، بعد ذلك تأتي تقديرات الكلفة حيث تختلف تقديرات كلفة الزيادة، فالدولة قدرتها بحوالي 2900 مليار ليرة شهريا تضاف الى الكلفة السابقة التي هي عشرة الآف لتصل كلفة العاملين في الدولة الى نحو 13 ألف مليار ليرة شهرياً ، وإذا اعتبرنا هذه الأرقام صحيحة يأتي السؤال الآخر ، كيف ستتأمن هذه الأموال لتسديد هذه الكلفة ؟ هناك طرح أن الدولة لديها أموال بالليرة اللبنانية سوف تعطيها لمصرف لبنان، ومصرف لبنان يحّول مقابلها بالدولار الى حسابات الموظفين الموطّنة في المصارف ويقبضونها بالدولار، ولكن المشكلة الأساسية هي أن الدولة لا تملك الكتلة النقدية من الليرات الكافية لتحويلها الى مصرف لبنان لكي يحولها بدوره الى دولارات، بل إن إصدارات الدولة من سندات الخزينة يكتتب بها مصرف لبنان، أي أن المصرف هو الذي يطبع الليرات اللبنانية يدّين الدولة لسد العجز وهي تعود بدورها وتحّول اليه الأموال بالليرة لكي يعطيها بالدولار ، ومصرف لبنان من أين يأتي بالدولار؟ مصرف لبنان يتدخل بالسوق شارياً الدولار، حيث تقّدر مشترياته الشهرية بنحو 130 الى 150 مليون دولار شهرياً، وهنا تبرز المشكلة أنه بتمويل هذه الكلفة هناك طباعة عملة لبنانية إضافية وبالتالي حتماً ستتأثر الأسعار وتؤدي الى ارتفاع في معدلات التضخم خلافا لما يقوله المسؤولون بأن التمويل سيكون بالدولار ولا أثار تضخمية، لا..، لأن المشكلة ان توفير الليرات سيكون من خلال مصرف لبنان وهذا سيؤدي الى اثار تضخمية سنراها في الأشهر المقبلة، كما أن دفع هذه الكتلة النقدية الكبيرة بمفعول رجعي لثلاثة اشهر الى الوراء أيضاً ستؤدي الى تضخم وارتفاع في الأسعار. وأنا أطرح هنا سؤالاً مهماً، مصرف لبنان يتدخل شارياً الدولار لتعزيز احتياطاته بالعملات الأجنبية استباقاً لتطورات سلبية قد تحصل في المستقبل، فلو توقف مصرف لبنان عن التدخل وشراء الدولار من السوق، حتماً كان الدولار سينخفض سعره بعشرات ألآف الليرات وبالتالي نكون في غنى عن الزيادة ، لأن انخفاض الدولار سيعيد لليرة قدرتها الشرائية وبالتالي لا نعود بحاجة الى زيادة أجور، من حق مصرف لبنان أن يعزز إحتياطاته ، ولكن عليه أن يأخذ خيار آخر قد تكون له آثار أكثر ايجابية وهي عدم التدخل وشراء الدولار من السوق ، لأنه عندما نسأل الصرافين يقولون أن الشاري الوحيد للدولار هو مصرف لبنان، وبالتالي عدم الطلب على الدولار سيخفض سعره وسترتفع قيمة الليرة ولا نعود بحاجة الى زيادة، فأعتقد أنه هذا هو الحل خصوصا أن ألزيادة الحالية وكلفتها المرتفعة لا تدخل في احتساب أساس الراتب وبالتالي التعويضات على أساسها، ومن هنا الحل بخفض سعر العملة الأجنبية وهذا ممكن من خلال توقف مصرف لبنان عن التدخل وشراء الدولار من السوق.