أبرزرأي

روسيا – كوريا الشمالية: أكبر من «منافع» متبادلة

كتبت ريم هاني, في الاخبار:

وزبر الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يؤكّد تحوّل كوريا الشمالية إلى شريك عسكري ثابت لموسكو، في مواجهة منظومة تقودها واشنطن وتتمدّد عسكرياً في شرق آسيا.

يستكمل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، زيارته التي بدأت السبت وتستمر لثلاثة أيام، إلى بيونغ يانع، بعدما استهلّها بلقاء مع نظيره تشوي سون هوي في «منتجع وونسان». وفي وقت لاحق، قالت وزارة الخارجية الروسية إنّ لافروف التقى بالزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، واصفاً العلاقات بين البلدين، أثناء اللقاء، بأنها «أخوّة قتالية لا تقهر».

كما نقلت الوزارة عن لافروف قوله إنّ الزيارة تمثّل استمراراً «للحوار الإستراتيجي» بين الجانبين، والذي انطلق أثناء زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لكوريا الشمالية العام الماضي. كذلك، شكر لافروف كيم جونغ أون على مشاركة الجيش الكوري الشمالي في تحرير مقاطعة كورسك الروسية، فيما أكّد الزعيم الكوري الشمالي من جهته، مجدّداً، دعم بيونغ يانغ «غير المشروط» لموسكو في الحرب الروسية الأوكرانية.

وكان لافتاً تأكيد لافروف، أيضاً، أنّ موسكو «تحترم وتتفهّم» الأسباب الكامنة خلف تطوير بيونغ يانغ لبرنامجها النووي، والذي هو نتاج «عمل علمائها»، بحسب وكالة «تاس» الروسية للأنباء. كما أشارت تعليقات الوزير الروسي حول برنامج كوريا الشمالية إلى أنّ الأخيرة توصّلت إلى «الاستنتاجات اللازمة قبل وقت طويل من الضربات الإسرائيلية والأميركية على إيران». وحذّر لافروف، كذلك، واشنطن من التعاون مع حلفائها الآسيويين الإقليميين ضد موسكو وبيونغ يانغ، على خلفية التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية. وفي هذا الإطار، أكّدت الخارجية الروسية أنّ لافروف وكيم جونغ أون متّفقان على أنّ التوتّر في شبه الجزيرة الكورية سببه أنشطة واشنطن وحلفائها.

ويأتي هذا الموقف بعدما حثّ كبار الضباط العسكريين الكوريين الجنوبيين والأميركيين واليابانيين، كوريا الشمالية، على وقف جميع الأنشطة «غير القانونية التي تهدّد الأمن الإقليمي»، على حدّ تعبيرهم، وذلك بالتزامن مع إطلاق الدول الثلاث طائرات حربية متقدّمة لإجراء تدريب مشترك، في استعراض واضح للقوة ضد بيونغ يانغ.

وأثناء اجتماعهم الاعتيادي في سيول الجمعة، ناقش رؤساء هيئة الأركان المشتركة من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان نشر كوريا الشمالية قوات في روسيا لدعم حربها ضد أوكرانيا، ونقل الأخيرة المحتمل للتكنولوجيا العسكرية إلى الأولى، جنباً إلى جنب السبل المختلفة لتعميق تعاونهم من أجل «ضمان السلام والاستقرار في المنطقة»، طبقاً لبيان مشترك صدر عقب اللقاء. كما أجرت الدول الثلاث، الجمعة، مناورة جوية ثلاثية في المياه الدولية قبالة جزيرة «جيجو» الواقعة جنوب كوريا الجنوبية.

وتهدف هذه التدريبات، التي شملت قاذفات «بي – 52 إتش» الأميركية القادرة على حمل رؤوس نووية، إلى «تحسين قدرات الردع والاستجابة ضد التهديدات النووية والصاروخية المتطورة لكوريا الشمالية»، وفقاً لما أعلنته وزارة الدفاع في سيول.

يجادل مراقبون بأنّ بيونغ يانغ دخلت مساراً «صدامياً» لا رجوع عنه مع المنظومة الغربية

ورغم الحديث المتزايد حول إمكانية استئناف الاتصالات التي بدأها ترامب، أثناء ولايته الأولى، مع كيم؛ وهو ما عبّر عنه لافروف أيضاً، أثناء زيارته الأخيرة، مؤكّداً أنّ «ترامب أعرب عن دعمه لاستئناف الاتصالات» بين الطرفين، وأنّ «موسكو وأصدقاءها الكوريين الشماليين أحيطوا علماً بذلك»، فإنّ العديد من المراقبين يجادلون بأنّ بيونغ يانغ دخلت مساراً «صدامياً» لا رجوع عنه مع المنظومة الغربية.

وفي هذا السياق، يرد في تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» أنّه طوال عقود من الزمن، كانت السياسة الأميركية تجاه كوريا الشمالية مبنيّة على أمل أن يؤدّي الانخراط والتفاوض —وخاصة الوعد بتخفيف العقوبات وتقديم ضمانات أمنيّة— إلى تخفيف طموحات بيونغ يانغ النووية. وحالياً، يتكهّن البعض بأنّ رئاسة ترامب الثانية قد تؤدّي إلى إحياء هذه الديناميكية الدبلوماسية. على أنّ مثل تلك التوقّعات تتجاهل، طبقاً للمجلة، التحوّل العميق في الحسابات الإستراتيجية لكوريا الشمالية.

ويردف التقرير: «لم تعد بيونغ يانغ تسعى إلى الحصول على فوائد معاملاتية من واشنطن فحسب، بل إنها تؤكّد نفسها كقوة نووية وعسكرية وتتحالف بنشاط مع روسيا والصين. أمّا هدفها، فهو المساعدة في صياغة نظام عالمي متعدّد الأقطاب قادر على إضعاف الهيمنة الأميركية»، مشيراً إلى أنّ «الاعتراف بهذا التوجّه الجديد أمر ضروري إذا كانت الولايات المتحدة تأمل في رسم مسار واقعي للمضي قدماً في شبه الجزيرة الكورية».

وشكّلت الحرب الروسية – الأوكرانية، بحسب أصحاب الرأي المتقدّم، نقطة تحوّل بالنسبة إلى كوريا الشمالية، بعدما انتقلت الأخيرة، على إثرها، من سياسة «التحوط» إلى «الانحياز»، رغم أنّ كيم عمد، أثناء مدّة رئاسة ترامب الأولى، إلى البقاء على مسافة «متساوية» من بكّين ووواشنطن وموسكو.

وتستند وجهة النظر المشار إليها إلى أسباب عدّة، بما فيها أنّ الدعم الروسي لبيونغ يانغ أصبح يمتدّ إلى ما هو أبعد من المساعدات المادية والاقتصادية؛ إذ إنّه على الصعيد العسكري، ورغم أنّ كوريا الشمالية كانت تعطي الأولوية تقليدياً لتطوير الأسلحة النووية، فإنها تتوسّع الآن في إنتاج الأسلحة الإستراتيجية المتقدّمة، بما فيها السفن الحربية، وأنظمة الرادار، وأنظمة الدفاع الصاروخي، بدعم حاسم من موسكو.

كذلك، تتضمّن المعاهدة العسكرية الموقّعة حديثاً بين كوريا الشمالية وروسيا بنداً يتعلّق بالدفاع المتبادل، يلزم كل دولة بمساعدة الأخرى في حالة وقوع عدوان خارجي عليها، ممّا يمثّل تحولاً كبيراً في البيئة الأمنيّة في كوريا الشمالية، كونه يوفّر للأخيرة «طبقة غير مسبوقة» من الضمانات الأمنيّة الخارجية.

وبصورة أعمّ، أتاحت هذه المساعدة الشاملة من روسيا، لكوريا الشمالية، استكمال سياستها المعلنة القائمة على تحقيق النمو الاقتصادي المعتمد على الذات، والتنمية الاجتماعية، والدفاع عن الوطن، بـ«حزم أكبر من أي وقت مضى».
وتؤكّد الشراكة التنموية المتعمّقة بين الطرفين، طبقاً للمصدر نفسه، «التحوّل الأساسي في توجّه بيونغ يانغ الجيوسياسي»، بعدما قرّرت الأخيرة بحزم مواءمة مسارها الإستراتيجي مع مسارَي بكين وموسكو، وذلك في خضمّ التنافس المستمرّ بين القوى العظمى.

ويأتي هذا التحوّل في الوقت الذي تعتبر فيه كوريا الشمالية أنه من غير المرجّح أن تنهي روسيا الحرب بناءً على «وقف إطلاق النار غير المشروط» الذي طالبت به أوكرانيا وحلفاؤها في الولايات المتحدة وأوروبا. لا بل هي ترى أنّ الهدف النهائي لموسكو، والمتمثّل في «إجبار واشنطن وحلف شمال الأطلسي على التخلّي عن سياساتهما العدائية»، يتماشى بشكل وثيق مع مصالحها الإستراتيجية. وعليه، فإنّ بيونغ يانغ تتوقّع أن «تتعثّر أي مفاوضات سلام يدعمها الغرب، ما لم تعالج المطالب الأساسية لروسيا»، طبقاً لـ«فورين بوليسي».

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى