روسيا خارج حلفاء النورماندي
كتب مفتاح شعيب, في “الخليج” :
بعد ساعات من إعلان مسؤولة فرنسية عن دعوة روسيا للمشاركة في احتفال ذكرى مرور 80 عاماً على إنزال الحلفاء في النورماندي خلال الحرب العالمية الثانية، لكن رئيسها فلاديمير بوتين مستبعد من الحضور، سارعت موسكو إلى نفي تلقيها أي دعوة، لكنها تركت الباب مفتوحاً على احتمال أن يحدث ذلك في المستقبل القريب، فيما تبقى الحقيقة أن روسيا قد أصبحت بالفعل خارج تحالف النورماندي.
ربما لا تحتمل العلاقات بين روسيا والمعسكر الغربي مثل هذه المجاملات، في ضوء التوتر الشديد الذي يتفاقم بين الطرفين جراء الحرب الدائرة في أوكرانيا والتقدم الروسي الواضح على الجبهات واعترافات كييف المتوالية بعجزها عن الاستمرار في المواجهة مع تعثر الدعم الغربي، لاسيما الأمريكي بسبب الخلافات الدائرة بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس قبل أشهر من انتخابات رئاسية حاسمة بين الرئيس الحالي جو بايدن وخصمه الجمهوري دونالد ترامب، الذي يتوعد بوقف دعم كييف وإنهاء الحرب خلال 24 ساعة.
المشكلة الروسية الغربية آخذة في التطور إلى الأسوأ، وليس هناك ما يشي بأن الأوضاع قد تتحسن في المدى المنظور، وهناك أكثر من مسؤول أوروبي أقر بأن العلاقة مع موسكو أشبه بحالة حرب منها إلى التوتر، وبعد تصريحات مثيرة في هذا الشأن للمفوض السامي للسياسة الخارجية والأمنية الأوروبية جوزيب بوريل ورئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، أكدت رئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن القارة لا تواجه حالياً تهديداً مباشراً بالحرب، لكنها تقترح الاستعداد لها بتطوير وإنتاج جيل جديد من القدرات القتالية لكسب المعركة. ورغم أن فون دير لاين لم تسم روسيا بالاسم باعتبارها الخصم، إلا أن كل التحذيرات والمخاوف تنبع من احتمال اصطدام عنيف بين الجانبين، ربما بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا وتحقيق موسكو انتصاراً يلحق هزيمة كبيرة بالمعسكر الغربي الذي لا يريد أن يرى ذلك اليوم، ويحسب له ألف حساب.
استعداد أحد الأطراف للحرب، يفرض بالضرورة استنفاراً في المقابل. وبالعودة إلى تصريحات المسؤولين الروس بدءاً من بوتين إلى الدبلوماسيين والعسكريين فإن كل السيناريوهات واردة مع تنصيص على عدم الرغبة في المواجهة لأن الخسائر ستكون فوق الاحتمال لجميع الأطراف، وستفضي إلى عالم مختلف طالما تم التبشير به والحديث عنه، لكن بلوغ ذلك ربما لن يكون إلا بحرب ولو محدودة بين القوى المتشبثة بالنظام القديم، والأخرى الساعية إلى التغيير وبناء قواعد جديدة على أنقاض المنظومة المترهلة التي تم التوافق عليها قبل منتصف القرن الماضي.
القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم منقسمة وتتواجه سياسياً واقتصادياً وتستعد للصدام العسكري المحتمل، وبينما حافظت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على تحالفها، تشكل روسيا مع الصين، القوة العظمى القادمة على مهل من الشرق، تحالفاً يضم إليه العديد من الدول الفاعلة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. ووفق هذا الانقسام فإن التواصل بين الطرفين ليس مثالياً، ودخل في متاهة التنبؤات والتخمينات التي تشير إلى واقع خطر بدأ يتشكل رغم الآمال بعدم حدوث ذلك أبداً.