رأي

روسيا تعترف بـ«طالبان»:  إعادة ترتيب التحالفات

كتب خضر خروبي, في الاخبار:

اعترفت روسيا رسمياً بـ«طالبان»، في خطوة تعكس أولويات أمنية واقتصادية إقليمية، وتفتح الباب أمام إعادة رسم التحالفات في آسيا الوسطى بعد الانسحاب الأميركي.

في خطوة هي الأولى من نوعها من جانب حكومة أجنبية تجاه حركة «طالبان» منذ تولّي الأخيرة مقاليد السلطة في كابول عام 2021، أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أمس، اعتراف موسكو رسمياً بـ«إمارة أفغانستان الإسلامية»، مؤكّدة أنّ هذه الخطوة «ستعطي قوّة دافعة لتطوير تعاون ثنائي مثمر بين بلدينا في مختلف المجالات».

وأضافت الوزارة، في بيان أصدرته عقب لقاء جمع السفير الروسي في كابول ديمتري جيرنوف، إلى وزير خارجية «طالبان» أمير خان متّقي، أنّ القرار من شأنه أن يفتح «آفاقاً واعدة للتعاون في المجالَين التجاري والاقتصادي، مع التركيز على مشاريع في مجالات الطاقة والنقل والزراعة والبنية التحتية»، مجدّدة التزامها «مساعدة كابول في تعزيز الأمن الإقليمي، ومكافحة تهديدات الإرهاب والجرائم المتعلّقة بالمخدرات».

حفاوة أفغانية
وفي موازاة رفع العلم الأفغاني الذي اعتمدته الحركة فوق مقرّ سفارتها في العاصمة الروسية، بعد ساعات من قبول اعتماد سفيرها الجديد هناك غول حسن، كشف جيرنوف أنّ قرار الاعتراف بأفغانستان اتّخذه الرئيس فلاديمير بوتين، بناءً على اقتراح وزير الخارجية، سيرغي لافروف. وثمّن وزير خارجية «طالبان»، من جهته، القرار بوصفه «انفراجة» في علاقات بلاده الدبلوماسية مع العالم الخارجي، مشيراً إلى أنّ «تلك الخطوة الشجاعة التي اتّخذتها روسيا، ستشكّل، إن شاء الله، دافعاً للآخرين أيضاً».

ولاقى القرار، الذي سبقته خطوات روسية أخرى لتعزيز العلاقات مع «طالبان»، أبرزها زيارة نادرة أجراها سكرتير مجلس الأمن الروسي، سيرغي شويغو، إلى كابول أواخر العام الفائت، وشطب الحركة من قائمة «المنظمات الإرهابية» في نيسان الماضي، انتقادات لاذعة من قبل ناشطات أفغانيات.

إذ رأت النائبة السابقة في البرلمان الأفغاني، مريم سليمانخيل، أنّ الاعتراف الروسي بحكومة «طالبان» «يُضفي شرعية على نظام يمنع الفتيات من التعليم، ويمارس الجلْد العلني، ويؤوي إرهابيين خاضعين لعقوبات من الأمم المتحدة»، مضيفة أنّ هذا الاعتراف «يبرهن على أنّ المصالح الإستراتيجية تتغلّب دوماً على حقوق الإنسان والقانون الدولي»، في حين شدّدت النائبة السابقة، فوزية كوفي، على أنّ التقارب مع الحركة المتشدّدة «لن يجلب السلام، بل سيشرعن الإفلات من العقاب، ويهدّد ليس فقط أمن الشعب الأفغاني، بل الأمن العالمي أيضاً».

«تفرّد» روسي… و«تمحيص» أميركي
وبحسب محلّلين، فإنّ ما تفرّدت به روسيا على صعيد علاقاتها بسلطات كابول، التي لا تحظى باعتراف رسمي من سائر دول العالم، بما فيها حكومات تقيم علاقات تبادل تجاري ودبلوماسي معها كالصين وباكستان، يُظهر أنّ القيادة الروسية اختارت المضيّ بخطوات أحادية تعكس أولوياتها في آسيا الوسطى والمنطقة الأوسع، سواء على المستوى الأمني بعد إعلان بوتين، العام الماضي، أنّ بلاده باتت تنظر إلى حكومة «طالبان» كجهة «حليفة» في مواجهة التنظيمات «الإرهابية» في المنطقة، أو على المستوى الاقتصادي، مع نية روسيا توسيع علاقاتها التجارية بأفغانستان، عقب تمكّن الطرفين من زيادة حجم التبادل التجاري بنسبة 18%، خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024، مقارنة بالمدّة نفسها من العام الذي سبق.

ويضاف إلى ما تقدّم، تحوُّل أفغانستان إلى أكبر مستورد للدقيق الروسي، بالنظر إلى ما توفّره جغرافيا البلد الواقع في آسيا الوسطى من مزايا، كممرّ عبور لتصدير موارد الطاقة الروسية إلى باكستان والهند، لتجاوز العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، وكنقطة لوجستية مركزية في ممرّ النقل الدولي «شمال – جنوب». وكانت روسيا أكّدت مراراً استعدادها لتقديم دعم أمني لـ«طالبان» في مواجهة الأخيرة مع تنظيم «داعش – ولاية خراسان»، المقدّر تعداد أفراده بين 2000 و5000 عضو، معظمهم من دول آسيا الوسطى، كطاجيكستان، وأوزبكستان.

وعن خلفيات التقارب الدبلوماسي والأمني بين روسيا وأفغانستان، أشارت وكالة «بلومبرغ» إلى أنّ انفتاح موسكو «الحذر والبطيء» تجاه سلطات «طالبان» يعكس رغبة الطرفَين في الاستفادة من بعضهما البعض، ذلك أنّ الأولى «تريد تحصين أمنها من خطر الإرهاب في الداخل، وفي منطقة آسيا الوسطى الأوسع»، بينما تحبّذ الثانية تظهير ذلك التقارب على أنّه «مكافأة نظير جهودها المبذولة لكسب الشرعية الدولية، على نحو قد يسهم في جلب الاستثمار الأجنبي للمساعدة في دعم الاقتصاد».

يُظهر اعتراف موسكو بـ«طالبان» أنّ القيادة الروسية اختارت المضيّ بخطوات أحادية تعكس أولوياتها في آسيا الوسطى

وفي ما يخصّ الشأن الأمني، أشار المدير الأول لـ«مركز أوراسيا» التابع لـ«المجلس الأطلسي» للبحوث، جون هيربست، إلى أنّ ما صدر عن روسيا «لم يكن مفاجئاً»، معتبراً أنّ هذه الخطوة «مُوجّهة تحديداً ضدّ داعش»، الذي أعلن مسؤوليته عن «الهجوم الإرهابي الدموي» على مبنى بلدية كروكس في آذار 2024.

ووضع الباحث في «معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية»، ماكسيم سوشكوف، من جهته، القرار الروسي في خانة «الواقعية التي لا تشوبها أوهام»، مبيّناً أنّ أبرز دوافع موسكو للتقارب مع كابول، تتعلّق بإدراكها أهمية تعزيز الاتصالات مع «طالبان» الواقعة في الجوار الحيوي لروسيا، ورهانها، في الوقت نفسه، على الاستفادة من الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وتفادي تحوّل البلاد إلى قاعدة خلفية لـ«الإرهاب».

وذكّر سوشكوف بأنّ البيان الذي أصدرته موسكو عقب «هجوم كروكس»، والذي حمل لهجة صارمة حيال «ضرورة مواصلة الجهود من أجل القضاء على الإرهاب في أفغانستان»، إنّما «يُعدّ كافياً لترجمة أولويات روسيا في شأن أفغانستان ونظام طالبان»، والتي سبق أن عرضتها أثناء لقاء وفد رفيع من الحركة مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي لأفغانستان زمير كابولوف، صيف عام 2021؛ وهي أولويات محصورة بعدّة خطوط حمراء تضعها موسكو، وتتمحور حول ملفات «الإرهاب»، و«تهريب المخدرات»، إضافة إلى «حماية الحلفاء» على الحدود الجنوبية، و«ضمان أمن البعثات الدبلوماسية الروسية». وكشف سوشكوف أنّ «طالبان» أعطت ضمانات لموسكو في هذا الصدد، معتبراً أنّ تقييم الأخيرة يشي بأنّ الحركة ملتزمة بوعودها في ذلك الخصوص.

وأردف سوشكوف إنّ «طالبان لا تزال محلّ انتقادات من قبل كثيرين في موسكو، مقابل قلّة هناك تستسيغ جوهر العقيدة السياسية للحركة»، مستدركاً بأنّ «قرار روسيا يستند في الوقت الحالي إلى فكرة أنّ حركة طالبان لا تهدّد أمن روسيا بقدر ما يفعل تنظيم داعش، ما دام مشروع الحركة (لتطبيق الشريعة) يبقى محلّياً، ومن دون رؤية شاملة، بخلاف التنظيم».

وفي ما يخصّ الجانب الدبلوماسي، ذهب سوشكوف إلى أنّ ما يشاع عن «اتصالات جارية في الكواليس» بين الأفغان، وأكثر من طرف دولي، بخاصّة الولايات المتحدة «لا يهدف إلا إلى ضمان استقرار بيئتها الدولية، حتى يتسنّى لها تعزيز سلطتها وضمان شرعية فعلية، أو ربّما، في أحسن الأحوال، ضمان مساعدات مادية»، وهو تقدير «يتقاطع مع المصالح الروسية في هذه المرحلة، في ضوء دخول فاعلين آخرين من الدرجة الأولى – مثل بكّين وواشنطن – على خط التواصل (الدبلوماسي) مع الحركة».

بدوره، توقّف المحلّل السياسي الأفغاني، فيض الله جلال، عند تلك الخلفيات، مبيّناً أنّ القرار الروسي «سيفتح الباب أيضاً أمام الاعتراف الرسمي بحكومة طالبان» من قِبَل أطراف دولية أخرى، بخاصة الولايات المتحدة. وضمن الإطار نفسه، رجّح محلّلون غربيون أن تكون واشنطن في طور العمل على «تمحيص» الخطوة الروسية بكل ملابساتها ودوافعها، لتقييم مستقبل تعاملاتها مع السلطة القائمة في كابول، على وقع تقارير إعلامية عن انعقاد مباحثات أميركية – أفغانية، في آذار الماضي، بحثت سبل تأمين إطلاق سراح سجين أميركي على الأراضي الأفغانية.

ونقلت شبكة «سي إن إن» عن مصادر مطّلعة على تلك المباحثات، قولها إنّ المسؤولين الأميركيين أعربوا لنظرائهم الأفغان عن أنّ «فتح الباب أمام علاقة أفضل» بين الجانبَين، مرهون بما تبادر إليه كابول، التي ردّت باقتراح إنشاء مكتب يشبه السفارة داخل الولايات المتحدة للتعامل مع القضايا الأفغانية، مقابل الحصول على اعتراف رسمي بها من قبل واشنطن، علماً أنّ الأخيرة تحتفظ بعدة أوراق ضغط على كابول، من ضمنها العقوبات الدولية، وتجميد قرابة 3.5 مليار دولار من احتياطيات البنك المركزي الأفغاني.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى