رأي

ركائز الكويت الأربع.

كتب د. محمد حسين الدلال في صحيفة القبس.

هناك أربع ركائز تتميز بها دولة الكويت منذ نشأتها ومعرفة المحيط الجغرافي والعالم بها، وهي ركائز إيجابية ساهمت في نهضة وتقدّم الكويت وشعبها، كما تعد من قبيل القوة الناعمة (قوة جاذبية – الدولة أو المؤسسات، بأن تضع الآخرين في صفك وبجانبك من غير إكراه، أو دفع الأموال)، التي تمتعت بها دولة الكويت في أوقات الرخاء والشدة.

أولى تلك الركائز التزام الدولة والحاكم والمحكوم بالشورى والديموقراطية في مسيرتها التاريخية، وصولاً إلى الاتفاق والاعتماد والإصدار لوثيقة العقد الاجتماعي لدستور دولة الكويت عام 1962، وتلك الركيزة المهمة والأساسية عكست بشكل جلي روح الاتفاق بين أسر وعوائل الكويت حين النشأة، كما أن الحياة الديموقراطية والدستورية عزّزت لدى الشعب الكويتي أهمية تكريس شعبية الحكم، ودولة المؤسسات، وتحقيق العدالة، وتعزيز الحريات العامة، كما أثبتت تلك الركيزة فاعليتها وأهميتها في عام 1990 بتمسّك الشعب الكويتي بشرعيته الدستورية في مواجهة الغزو العراقي الغاشم على الكويت، واعتبر عدد من أطراف المجتمع الدولي سبب مشاركتهم في تحرير الكويت نظراً لتمتعها بحياة ديموقراطية دستورية، وقد أحسن العم عبدالعزيز الصقر، أحد مؤسسي الدستور، رحمه الله، وصف هذه الركيزة في كلمته الرائعة، أثناء انعقاد المؤتمر الشعبي في جدة 1990، بالقول: «والوثيقة الدستورية التي أضحت منذ لحظة المصادقة عليها وإصدارها بمنزلة عهد وميثاق بين الشعب وقيادته السياسية، وقد اكتسبت بالتأكيد تكريساً تاريخيّاً جديداً، بعد أن مهرها شهداء الكويت بدم التضحية والفداء حين تمسّك الشعب بالشرعية، معرباً عن وفائه النبيل بعهده، واحترامه الأصيل لميثاقه».

أنعم الله عز وجل على الكويت وشعبها بنعمة النفط، وهو الركيزة الثانية لدولة الكويت، ويعد النفط منذ استكشافه وحتى تاريخه ركيزة وقوة اقتصادية ساهمت بشكل رئيسي في نهضة الكويت وازدهارها، ومع أهمية هذه الركيزة، إلا أنه يلاحظ أن دولة الكويت، وعلى الرغم من تنبيهات وتحذيرات المختصين والمخلصين، اعتمدت على النفط كمصدر وحيد للدخل، يصاحبها النشاط الاستثماري للعوائد النفطية، وبالرغم من تذبذب أسعار النفط وبحث العالم عن مصادر أخرى للطاقة، فإن دولة الكويت لم تنجح في تنويع مصادر أخرى لدعم مالية الدولة، ويعد ذلك من المخاطر المستقبلية التي يتطلب التوقف عندها كثيراً.

يعد العمل الخيري والإنساني الركيزة والسمة الثالثة لدولة الكويت وشعبها، فالكويت قبل النفط، حاكماً وشعباً، من المبادرين لعمل الخير ودعم الشعوب العربية والإسلامية، وتعزز هذا الدور النبيل والفعل الإنساني الجميل بعد ظهور النفط وارتفاع القدرات المالية للدولة والشعب، فالعمل الخيري الرسمي والشعبي المبارك عمّ العالم، ووصل أثره خيرياً وتنموياً إلى كل أقطار العالم، وكان بمنزلة القوة الناعمة وسفير الرحمة والإنسانية والخير أمام العالم، حتى أطلق على الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح رحمه الله «قائد العمل الإنساني»، وتمت تسمية دولة الكويت «مركزاً للعمل الإنساني»، وقد حفظ الله الكويت أثناء الغزو العراقي الغاشم على الكويت بصنائع معروف أهلها، قال صلى الله عليه وسلم: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء».

رابع تلك الركائز تمتُّع دولة الكويت بسمة الثقافة والمعرفة، فالانفتاح الكويتي منذ النشأة على العالم تجارياً وبحرياً، وتمتعها بديموقراطية نسبية، مكّنا الثقافة والمعرفة أن يكون لهما موطئ قدم، فلا يكاد أي زائر كويتي يزور مراكز الثقافة والآداب في الأقطار العربية والإسلامية إلا ويجد مثقفيها ومفكريها يشيدون بالدور الكويتي في نشر الثقافة والمعرفة من خلال إصدارتها التي وصلت إلى شتى أقطار العالم، فالجميع يذكر بخير مجلة العربي وسلسلة عالم المعرفة، اللتين يصدرهما المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ناهيك عن قيام دولة الكويت منذ ستينيات القرن الماضي باستقطاب ثلة كبيرة من العلماء والمفكرين ممّن أناروا العلم والثقافة والمعرفة في الكويت وخارجها، وتلك ركيزة مهمة تراجع دورها لاعتبارات عديدة، ويتطلّب أن تأخذ دورها في تدعيم النهضة والتقدم من جديد.

آن لدولة الكويت أن تفكّر جدياً بالركائز الأربع من خلال رؤية عمل إستراتيجية، يتم فيها ترسيخ تلك الركائز وتأصيلها والعمل على تعزيز أدوارها كقوة ناعمة تدعم الكويت محلياً وإقليمياً ودولياً، فالديموقراطية والحياة الدستورية أساس، ويتطلب معها التعزيز والتطوير، مع عدم الإخلال أو الانتقاص منها، والنفط مصدر ثروة تجب حمايته وتنميته، وتنويع مصادر الدخل الأخرى، والعمل الخيري والإنساني قوة ناعمة لا يستهان بها إذا أحسن دعمها وحمايتها واستغلالها، وتعزيز الثقافة والمعرفة محلياً ودولياً يجعل الكويت منارة حضارية مؤثرة في المجتمع الدولي.

من المهم أن تشمل الرؤية الإستراتيجية لسمات الدولة وركائزها النظر في محاولات الفشل، التي منيت بها الحكومات المتعاقبة بتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري إقليمي ودولي، فتلك ركيزة لم يكتب لها النجاح، وأصبح من اللازم إعادة النظر بطرح الأسباب التي حالت دون ذلك، خصوصاً في ظل المتغيرات والمنافسة الخليجية والإقليمية، والأوضاع المتغيرة عالمياً، وطرح البدائل التي يمكن أن تحقق متطلبات التنمية والتقدم والأمن والاستقرار.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى