رفح المحطة الأخيرة
كتب إسماعيل الشريف, في “الدستور” :
«عندما ترى المستعمر يتوحش، فاعلم أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة.» – عبد الوهاب المسيري
احتفلت وسائل الإعلام الصهيونية المتطرفة وغرّد السياسيون ابتهاجًا بالنيران التي اجتاحت مخيم رفح نتيجة القصف الصهيوني تزامنًا مع العيد اليهودي ‹لاك بعومر›، الذي يوافق ذكرى نهاية وباء أصاب تلاميذ الحاخام شمعون بار يوحاي في القرن الثاني الميلادي. يُحتفل بهذا العيد بإشعال النيران في الهواء الطلق، وقد اعتبروا هذا التزامن رسالة من السماء!
وبرأيي، هذا التزامن مقصود على الرغم من إنكار نتن ياهو بأن الاستهداف كان بالخطأ. والدليل على ذلك هو المجزرة التي حدثت في اليوم التالي في منطقة المواصي.
شاهدنا صورا تدمي القلوب لأهالي الضحايا الأطفال وهم يحملون جثثهم المتفحمة ورؤوسهم المقطوعة، على أمل أن يتحرك هذا العالم البائس ويضع حدًا للمجزرة الجماعية.
لكن العالم لم يقابل هذه المجزرة إلا بالإدانة، باستثناء الولايات المتحدة. فقد ظهر المتحدث جون كيري، الذي يكذب كما يتنفس، وقال: لم نرَ عملية كبرى في رفح، والجيش الإسرائيلي لم يتجاوز الخطوط الحمراء!
تفرك الولايات المتحدة يديها إزاء ما يحدث، ولكنها لا تتحرك. يعلم الصهاينة أن الولايات المتحدة تدعمهم بل وتقف وراء ما يحدث في غزة وستدعمهم حتى النهاية. فهي تمدهم بالسلاح وتحميهم في الأمم المتحدة وتقف ضد قرارات المحاكم الدولية وقيام دولة فلسطينية، وستستخدم قريبًا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن في وجه أي تحرك ضد الصهاينة.
لقد أذلت المقاومة جيش الاحتلال ووجهت له الإهانة تلو الإهانة، وقتلت مئات الجنود في أيام قليلة. صعدت من عملياتها، وقامت بأسر جنود وحدة الشاباك التي أرادت تحرير بعض الأسرى. نشرت الفيديوهات التي فضحت فيها روايات نتن ياهو، وهدفت من كل هذا إلى إجبار الكيان على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
لكن نتن ياهو وعصابته اختاروا طريقًا آخر، وهو قتل الأطفال والنساء بعد أن فشل الجيش في التصدي للرجال. لم ترهبه مذكرات الاعتقال، ولم يَنصعْ لقرار محكمة العدل الدولية. راهن على كل شيء في رفح: مستقبله السياسي ومستقبل الكيان برمته، مصرًا على كذبته بأن الانتصار لن يتحقق إلا باجتياح رفح.
يعلم نتن ياهو أن وقف الحرب سينهي حكومته المتصدعة، وأنه سيحاكم كمجرم حرب في المحاكم الدولية، وكخائن في الكيان الغاصب بسبب طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي.
لن تردع الضغوطات الدولية الكيان، لذلك ستكثف حماس من عملياتها ونشاطها الإعلامي وستستخدم سلاحًا أكثر تطورًا. وسيزيد حزب الله من وتيرة معركته للضغط على الكيان الصهيوني، مما يؤدي إلى زيادة الاحتجاجات والانقسام الداخلي، ويجبر نتن ياهو على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. فحماس على يقين بأن الصهاينة لن يجلسوا إلا إذا تألموا.
البيروقراطية الأمريكية تراقب المشهد من كثب وترى أن أزمة غزة قد تكون أزمة القرن الدبلوماسية التي ستغير كل شيء. لذلك، تشعر بالرعب من المظاهرات الطلابية وتأثيرها على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. لهذا السبب، قد نرى ضغطًا غير مباشر على الكيان لإيقاف الحرب.
قد نرى تورطًا للجيش المصري في حرب لا يريدها حفاظًا على استقراره الداخلي، وكل المؤشرات تدل على ذلك. ما يشجعني على هذا الكلام هو زيارة الرئيس السيسي المرتقبة للصين، وإذا ضمنت له الصين حل أزمته الاقتصادية، ستشتعل جبهة جديدة من القتال.
كل قنبلة أمريكية يلقيها الكيان هي رسالة لشعوب المنطقة وأنظمتها بضرورة البحث عن تحالفات جديدة، وأنه لا مكان للكيان الصهيوني في المنطقة وأن السلام معه عبثي.
للأسف، لن تتوقف الإبادة الجماعية قريبًا، وسنشهد مجازر جديدة. ولكن بعدها، ستكون الهزيمة المدوية للكيان والولايات المتحدة.