خاصأبرزرأي

رسائل سياسية أممية في لحظة دقيقة

حسين زلغوط
خاص-“رأي سياسي”:

شهد المشهد السياسي اللبناني حراكاً لافتاً في الأيام الأخيرة، مع تصدّر عنوانين أساسيين محادثات المسؤولين اللبنانيين مع سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي: الأول يتصل بتمسك الدولة اللبنانية باستكمال التفاوض مع إسرائيل لترسيم الحدود البرية، بالتوازي مع خطة متجددة لبسط سلطة الدولة وحصر السلاح بيدها. أما العنوان الثاني، فهو التأكيد اللبناني الرسمي بأن إنهاء مهمة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان “اليونيفيل” ليس وقتُه ولا ظروفه متاحة حالياً، وأن أي بحث في هذا الاتجاه سيحمل تداعيات خطيرة على الاستقرار الحدودي.
تثبيت هذين العنوانين لا يقتصر على البعد البروتوكولي في الاجتماعات، بل يحمل دلالات سياسية وأمنية عميقة، تعكس قراءة لبنانية دقيقة للتوازنات القائمة على الحدود الجنوبية، وللظرف الإقليمي المتوتر الذي يفرض على لبنان اتخاذ مواقف محسوبة تمنع الانزلاق نحو صدام واسع أو فراغ أمني قاتل، ويشكّل ملف الحدود البرية الحلقة الأخيرة غير المكتملة في مسار الترسيم بين لبنان وإسرائيل.
ومع أن الترسيم البحري مهّد لمرحلة من الهدوء النسبي، إلا أن عدم حسم النقاط البرية المتنازع عليها يبقي الباب مفتوحاً أمام توترات متكررة. من هنا، يظهر إصرار الدولة اللبنانية على دفع هذا الملف إلى واجهة الأولويات، بوصفه خطوة أساسية لحماية الحق السيادي من جهة، وتخفيف احتمالات الانفجار العسكري من جهة أخرى.
لا شك ان إعادة إحياء التفاوض يحمل أيضاً بعداً داخلياً، إذ يتقاطع مع طرح متجدد لفكرة حصر السلاح بيد الدولة. هذا الربط لم يعد مجرد شعار سياسي، بل بات جزءاً من مقاربة دولية متصاعدة تعتبر أن أي تثبيت للاستقرار في لبنان، أو أي دعم اقتصادي وسياسي له، يستوجب خريطة طريق نحو ضبط السلاح خارج الدولة. من جهة أخرى، يحرص المسؤولون اللبنانيون على التأكيد بأن هذا المسار لا يمكن تنفيذه إلا بالحوار الداخلي، وبآليات تراعي التوازنات اللبنانية المعقدة، بعيداً عن الضغوط أو الاشتراطات المباشرة.
أما الرسالة الثانية التي حملتها الاجتماعات، فتتمثل في التشديد الواضح على أن الوقت غير مناسب بتاتاً للبحث في إنهاء مهمة “اليونيفيل”. ويأتي هذا الموقف في ظل محاولات بعض الأطراف الدولية إعادة النظر في تركيبة القوة ومهماتها، أو حتى الانسحاب التدريجي منها.
وفي هذا السياق يدرك لبنان أن غياب القوات الدولية، في ظل التوترات اليومية على الحدود، سيضع المنطقة أمام احتمالات خطرة. فوجود “اليونيفيل” بلا ادنى شك يشكل مظلة ردع، تمنع الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة، وتوفر قناة تواصل دائمة بين الجيش اللبناني والجانب الاسرائيلي بإشراف الأمم المتحدة. وبذلك، يصبح الحفاظ على هذه القوة حاجة أمنية لا يمكن التفريط بها، خصوصاً في المرحلة الحالية التي تتسم بتشابك ملفات غزة والجنوب والبحر المتوسط.
واللافت أن هذين العنوانين، على اختلاف طابعهما، يتقاطعان عند هدف واحد، هو حماية الاستقرار الداخلي ومنع توسّع بؤر التوتر، خصوصا وأن المجتمع الدولي بات ينظر إلى الجنوب كجزء من منظومة أمنية إقليمية، وليس كملف لبناني بحت.
كما أن السير بالتفاوض على الحدود البرية يساهم، ولو جزئياً، في تخفيف الضغوط على لبنان في موضوع السلاح، ويمنح الدولة مساحة إضافية للمناورة. في المقابل، فإن تثبيت مهمة “اليونيفيل” يوفر أرضية ملائمة لتهدئة الأرض الميدانية وخلق مناخ يساعد على نتائج سياسية مقبولة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى