رأي

“رجل دولة” في زمن “نهش” الدولة… إنتفاضة القائد للعسكر

كتب الان سركيس في “نداء الوطن”:

باتت المهمات الملقاة على المؤسسة العسكرية كثيرة ومعقّدة، إذ إنّ الجيش الذي يجب أن يُدافع عن الحدود ويصونها يُثقل كاهله بالمهمات التي لا تعرف كيف تنتهي.

تحاول الطبقة السياسية أن تُحوّل الجيش اللبناني من أهم جيش استطاع مواجهة تنظيم «داعش» وأخواته بشهادة أهم قادة الجيوش العالمية وعلى رأسهم قادة الولايات المتحدة الأميركية، إلى شرطي سير من ضمن مهامه تنظيم عمل محطات الوقود في زمن الإحتكار والدعم، أو يحاول فرض الأمن بين الأحياء السكنية.

والأصعب من هذا كلّه أنّ معظم مؤسسات الدولة تنهار وتتفكّك، وكان آخرها القطاع المصرفي الذي أطاح بمدّخرات اللبنانيين، في حين يعجز القيّمون على المؤسسات عن فعل شيء، لا بل يستغلّ بعضهم هذا الإضمحلال في الدولة ليرفع منسوب فساده وسرقته.

منذ سنة تقريباً كان الوضع في المؤسسة العسكرية كارثياً، رواتب العسكريين لا تساوي شيئاً، الطبابة مفقودة والتعليم أيضاً وحالات الفرار تتكاثر وتكاد تهدّد بنية المؤسسة، وكان أمام قائد الجيش العماد جوزف عون خيار من اثنين: إما الإستسلام للواقع وترك المؤسسة تنهار ويقول «اللهم إني بلغت» وإما الإنتفاضة والسعي إلى تمرير المرحلة بأقل خسائر ممكنة.

لكن جوزف عون الذي اختار أن يعمل في وظيفته العسكرية لا السياسيّة قرّر الإنتفاضة ولم ينتظر أحداً، فهو يعلم جيداً أنّ هذه السلطة عاجزة وكل ما ستقدّمه للعسكري هو «فتات» من العملة الوطنية ستذهب قيمتها سدى بسبب مستويات التضخم العالية، فباشر بالإتصال بقادة جيوش العالم من أجل حصد الدعم.

وفي المحصّلة، فقد بدأت خطوات عون تؤتي ثمارها وِفق خطة مرسومة بدأت بتخفيف تكاليف النقل للعسكريين عبر تقصير مدّة خدمتهم وتأمين وسائل نقل للمراكز، من ثمّ تقديم بعض المساعدات لعناصر وعائلات الجيش من الهبات التي حصل عليها من الدول الصديقة، لكنّه أيقن أن هذا الأمر غير كافٍ. وفي وقت تنهار المؤسسات الضامنة والإستشفائية ويموت عدد لا يستهان به من الناس على أبواب المستشفيات، إستطاع قائد الجيش تأمين طبابة بقدر مئة في المئة للعسكريين وعائلاتهم، ما يعني أن هذا الأمر من أهم الإنجازات في زمن الإنهيار الشامل، والشعب يدرك جيداً ماذا تعني فاتورة الاستشفاء حالياً.

يعمل جوزف عون تحت عنوان صون البشر قبل الحجر، فما الفائدة إذا امتلك الجيش آلاف المعدات المتطورة ولا يوجد عنصر بشري لتشغيلها، من هنا وتحسيناً لرواتب العسكر، فقد حصل كل عسكري على مئة دولار «فريش» خارج راتبه وذلك لدعم صموده، وهذه المساعدات ستتوالى، في حين أن الأميركي المعجب بأداء المؤسسة العسكرية حوّل نحو 67 مليون دولار كمساعدات لعناصر الجيش.

قد يكون قائد الجيش استفاد من القرار الدولي والأميركي بمنع الفوضى في لبنان وحماية المؤسسة العسكرية، لكنه أيضاً تصرّف كرجل دولة، ففي وقت ينتقد الجميع الرؤساء الثلاثة والوزراء والنواب وحاكم مصرف لبنان وبقية قادة المؤسسات والأجهزة على عدم مبالاتهم بآلام الشعب، يخرج بصيص أمل من بين جدران اليرزة ليقول إن الأمل لا يزال موجوداً مع قائد الجيش، وهناك رجال دولة عملهم حماية عناصر المؤسسة العسكرية لأن انهيارها يعني انهيار الدولة وضرب حلم كلّ شاب إنتفض من أجل دولة قوية وسيّدة وحرّة ومستقلّة.

لم يكن تضمين الرئاسة الأولى جدول أعمال الدورة الاستثنائية، بند تعديل قانون الانتخابات، عن عبث أو من فراغ. ثمة رغبة جامحة لدى هذا الفريق بالتخفيف من أثقال الناخبين غير المقيمين الزائدة، بدليل ما قاله رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل في مؤتمره الصحافي الذي عقده في الثاني من كانون الثاني الماضي، «رح نبقى نقاتل لما نحصر المنتشرين بـ128 نائب بس بدوائرهم بلبنان ونحرمهم من 6 نواب زيادة بيمثلوهم مباشرةً بالانتشار. (الحقيقة هي انو يكون عندهم اختيار 134 نائب بدل 128، ومش 6 نواب بدل 128 متل ما عم يشيّعوا). كمان رح نكمّل نقاتل للميغاسنتر ليقدروا اللبنانيين المقيمين خارج مناطقهم ينتخبوا وين ما بيريدوا».

قبل أقل من مئة يوم على موعد فتح صناديق الاقتراع، يبدو المشهد الانتخابي مخيّباً للآمال وفيه الكثير من الإحباط، لاعتبارات كثيرة، منها مرتبط بالأزمة الاقتصادية – المالية وحالة اليأس التي تصيب الناس وبينهم الطامحون إلى لقب «مرشح»، ومنها مرتبط بخشية القوى السياسية من مواجهة هذا الاستحقاق، بعدما شكّلت أرقام المسجلين غير المقيمين، صدمة حقيقية تؤشر إلى مناخ «مُعاد» قد يصيب أركان المنظومة السياسية في عقر دارها!

في الواقع، فإنّ «جحافل» المغتربين التي هبطت فوق رؤوس القوى السياسية، تثير الرعب من نتائج لم تعد مضمونة في الكثير من الدوائر، لا سيما تلك المرشّحة لمعارك طاحنة قد تصير فيها المنافسة على بعض مئات الأصوات التي من شأنها أن تنقل الحاصل من ضفّة إلى أخرى. قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات، يعاني معظم القوى السياسية لا سيما التي توصف بالسلطوية، أزمات داخلية تجعل من الاستحقاق، تجربة مرّة في مذاقها وفي نتائجها. ولهذا، الكلّ يبحث عن طوق نجاة يريحهم من هذا الثقل الذي استحال عبئاً، سيكون من الصعب جداً التخلّص منه.

يقول أحد الخبراء الانتخابيين إنّ التقديرات الأولية تشير إلى احتمال أن يشارك حوالى ثلثي الناخبين الذين سجّلوا أسماءهم في الخارج، ما يعني أنّ الرقم قد يبلغ حوالى 150 ألفاً، وبين هؤلاء قد تنجح قوى السلطة في جذب حوالى ثلثهم أي 50 ألفاً لمصلحة لوائحها، فيما يُرجح أن تتوزع المئة ألف الباقية على اللوائح الخصمة ذات الطابع المعارض.

ولهذا، تعيد القوى السياسية، وتحديداً قوى الثامن من آذار، جدولة حساباتها من جديد، على قاعدة إمكانية الاتفاق على إخراج المغتربين من الدوائر الـ 15 وحصرهم بالدائرة 16، مع العلم أنّ تعديلاً كهذا لقانون الانتخابات من شأنه أن يطيّر الاستحقاق برمّته بسبب المهل القانونية التي سيُعاد تحديدها بعد إصدار المراسيم التنظيمية للدائرة 16، بمقاعدها الستة، ما يعني فرض تأجيل تقني للانتخابات والدخول في نفق التمديد، الذي قد يمتدّ إلى أجل غير محدد.

أكثر من ذلك، فإنّ تعديل القانون قد يعرّضه للطعن إذا ما اشتكى غير المقيمين من حصرهم بالدائرة 16 وهم تسجّلوا على أساس الاقتراع في دوائر نفوسهم، ما قد يؤدي إلى إلغاء كل عملية التسجيل لإعادة فتح بابها من جديد وهذه المرة للمشاركة في الاقتراع لنواب الدائرة 16.

هذه الوقائع تبعث من جديد شريط التطورات التي شهدها قانون الانتخابات بدءاً من تصويت مجلس النواب في 19 تشرين الأول الماضي، برفع الأيدي على انتخاب المغتربين في الدول المتواجدين فيها كل بحسب دائرة قيده، بعد اعتراض كلّ من «تكتل لبنان القوي» و»كتلة الوفاء للمقاومة»، مع العلم أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري توجّه حينها إلى وزير الداخلية بسام مولوي بسؤال حول المغتربين والمقاعد الستة. وقد أكد مولوي تشكّل لجنة بين وزارتي الداخلية والخارجية لوضع آلية الانتخاب، ونتيجة هذه الاجتماعات سيتم رفعها للتصويت عليها بمرسوم بأكثرية الثلثين في مجلس الوزراء، مضيفاً أنّ هناك بعض المشاكل في توزيع المقاعد، فلا يُمكن أن تستوي الأمور إلّا إذا تمّت قسمة كل قارة على طائفة أو قسمة المقاعد على الطوائف لا القارّات… وصولاً إلى الطعن الذي قدمّه «تكتل لبنان القوي» أمام المجلس الدستوري والذي انتهى إلى «لا قرار» مبقياً المغتربين في الدوائر الـ15.

يقول أحد نواب قوى الثامن من آذار إنّ هذا الفريق اشتغل لغير مصلحته في ما خصّ تصويت المغتربين بسبب سياسة النكايات والخلافات الحادة بين الرئيس بري وجبران باسيل، فاضطر البعض إلى التصويت وفقاً لرغبة بري، فيما اصطفّ «حزب الله» إلى جانب العونيين مع العلم أنّ وجهة نظرهم بهذا الخصوص هي الأسلم. والخلافات ذاتها هي التي أطاحت باحتمال قبول الطعن من جانب المجلس الدستوري بعد ربط قراره بسلّة شروط وضعها رئيس مجلس النواب تتصل بالتحقيقات العدلية وبالتعيينات القضائية.

ويكشف النائب ذاته أنّ رفض رئيس الحكومة نجيب ميقاتي السير بمقتضيات التسوية، لم يكن السبب الوحيد لنسف التفاهم المرجوّ، ذلك لأنّ باسيل كان يشترط أيضاً أن تكون التشكيلات القضائية انطلاقة لقطار التعيينات الإدارية، الأمر الذي رفضه بري.

ووفق القاعدة ذاتها، يتردد في أوساط هذا الفريق، أنّ باسيل يعيد إحياء مسعاه التفاهمي لإخراج غير المقيمين من الدوائر الـ15. من جديد، يحاول البحث عن صيغة تريحه، كما تريح الآخرين من هذا العبء الذي قد يخلط نتائج الكثير من الدوائر الانتخابية. يشير المتابعون إلى أنّ قوى الثامن من آذار لديها الأكثرية النيابية التي تسمح لها بإجراء هذا التعديل في قانون الانتخابات، شرط أن تكون «كتلة التنمية والتحرير» ضمن الخندق المؤيّد للتعديل. ويبدو أنّ الرئيس بري، وفق المعلومات منفتح على النقاش الايجابي.

يكشف المتابعون أنّ الشروط التي سادت في الجولة الأولى من المفاوضات، توضع راهناً على طاولة النقاش المكتوم، أي حذف المغتربين من الدوائر الـ15 مقابل إجراء سلّة تعيينات قضائية، وبالتالي إقالة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وهو بمثابة شرط تعجيزي قد يكبّل المفاوضات برمّتها ويتركها عالقة في المربّع الأول.

أكثر من ذلك، يؤكد أحد نواب هذا الفريق أنّ العبث بالمواعيد الدستورية هو قرار كبير، لن يجرؤ أيّ من القوى السياسية على وضع بصمته عليه لمواجهة رغبة الدول الغربية بإجراء الانتخابات في موعدها… ولهذا قد يكتفون بتطيير مشاركة غير المقيمين في حال تفاهموا. ولكن الأرجح أنّ كل المحاولات الجارية هي أشبه «بطبخة بحص»!

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى