ربط لبنان بالبحر الأحمر
كتب طوني فرنسيس في صحيفة نداء الوطن.
ليس مهمّاً الإهتراء العام الذي يعيشه البلد. المهمّ انتصار «الحوثي» في باب المندب و«الحشد» على ضفاف الفرات و«حماس» في غزة و«كتائب العز» في الجنوب، وبعدها ننصرف إلى البحث في تفاصيلنا الصغيرة.
من هذه التفاصيل مثلاً: كيف يسترجع المودع أمواله؟ وكيف ومتى يمكن الحصول على تجديد رخصة السير الخاصة؟ ومنها أيضاً متى تستعيد الدوائر العقارية نشاطها؟
التفاصيل السخيفة هذه تشمل كل شيء. هل يكون للجيش رئيس أركان؟ وهل يوقف العسكري عمله سائقاً خاصاً أو حارساً ليلياً ليلبي حاجة عائلته إلى الحد الأدنى من مقومات العيش؟ ومنها أيضاً هل تبقى مدرسة قائمة واستاذ يقوم بمهمته التعليمية؟ ثم وفي السياق، كم سيكون مستوى النهب الإضافي في موازنة المزرعة؟ وهل سيحصل الموظف على معاشه في نهاية الشهر ليتمكن من دفعه فوراً لشركات الخليوي وتجار الصحة والدواء؟
إذا تجرأنا ورفعنا مستوى التفاصيل قليلاً لن يتمكن أحد من الاعتراض ولا قول أي شيء آخر خارج سياق البحر الأحمر والحرب الحمراء. لن يسأل أحدهم عن مئة ألف جنوبي غادروا بيوتهم ومئات آلاف آخرين يعيشون في مناخ هجرها. هؤلاء ايضاً لن يقولوا غير ما اعتادوه. لقد أصبح الشعار سياسة رسمية، ولا حياة لهم قبل طرد أميركا من غرب آسيا أو الهجرة إلى أحضانها.
لن يتحدث أحد منذ اللحظة عن الدستور والمؤسسات وانتخاب رئيس الدولة . لا شيء يستعجل هذه الأمور ولا وجود في ساحة الحرب اللبنانية لعمل نيابي دستوري. في الساحة فقط صوت المعركة ولا صوت يعلو عليه.
سيستمر الأمر على هذا النحو طالما أنّ الحكومة المنصرفة إلى التصريف تتبنى نظرية غزة أولاً، وطالما أنّ قوى سياسية وطائفية كثيرة تجلس في مقاعد المتفرجين، بعضهم ممن يتقاضى بدلاً أو ترهيباً، وبعضهم ينساق وراء أوهام المكافأة والمنصب.
لقد ساق الجميع البلاد إلى هذا الموقع المزري. بعضهم بفتح حرب على حسابه والبعض الآخر بتبرعه في تحمل النفقات من كيس مواطنيه. وفي انتظار تغيير صعب سيكون على المواطنين إعادة ترتيب أوضاعهم في أمكنة أخرى وأوطان أخرى إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.