رأي

راية حقوق الإنسان: سلاح أميركا المنافقة

كتب الصحافي منور محمد في “الميادين نت”:

من المهم ملاحظة أن تطور الحركة النسوية بمرور الوقت يعكس السياقات الاجتماعية والثقافية والسياسية المتغيرة التي تعمل فيها الحركة، لكنها باتت أداة سيطرة وتطويع في يد العم سام لبسط إرادته على منطقتنا التي أطلق عليها تسمية “دول العالم الثالث”.

كيف حارب ذوو البشرة السمراء في أميركا العبودية، ومن ثم الاضطهاد؟ من منّا لا يتذكر مالكوم أكس ومارتن لوثر كينغ، وغيرهما من المناضلين الحقوقيين الأشاوس؟ هل يمكن أن يمحو التاريخ نضالات روزا باركس من أجل حقها كإنسان بالدرجة الأولى، قبل أن تكون إمرأة، لتكون مساوية لأخيها الإنسان من البشرة البيضاء؟

كلها حقوق كانت وستبقى مشروعة منذ القدم وحتى نهاية التاريخ، مذ عرف الإنسان أن لا شكله ولا لونه ولا عرقه ولا ميوله الجنسية تحدد حقوقه. هذه الحقوق والقضايا كانت تحمل رايتَها الولايات المتحدة الأميركية، قبل الاتحاد وبعده، وأضحت بعد مرور الزمن شمّاعة لها للتدخل في شؤون الدول “المارقة”. 

حتى مفهوم الديمقراطية الذي ينص على حق الشعوب في تقرير مصيرها، صدّرته الولايات المتحدة على أنه قضية أساس على جميع الشعوب “المتحضرة” تبنّيها. حتى إذا اختلفت مع حاكم هنا وآخر هناك، استخدمت مسألة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وغيرهما من المظلات للتدخل في شؤون البلاد. مع جرائم الولايات المتحدة في العراق عامة، وغوانتانامو وأبو غريب خاصة، هل من عاقل سيصدّق مزاعمها في حمل لواء حقوق الإنسان بعد الآن؟ 

وهنا، لنأخذ الحركة النسوية كحالة؛ تستغل أميركا هذه القضية المحقة لبسط سياساتها على دول وشعوب، وذلك من خلال تقديم الدعم والتمويل لجمعيات نسوية. بطبيعة الحال، هذه الجمعيات ستدين بولائها للمموّل الأميركي، فضلاً عن الشعور بالقرب الثقافي منه، بعكس “الغربة الثقافية” عن أهل الأرض التي تنتمي إليها. وعند أي مفترق طرق بين أميركا والدول التي تنشط فيها تلك الجمعيات، سيكون لها صوت يصرخ بأحقية الدور الأميركي، لأنه بكل بساطة، الأقرب إلى وجهة نظرها.. وحساباتها المصرفية. 

وجديرٌ بالذكر أن الحركة النسوية تطورت بمرور الوقت، وتأثرت بالتغيّرات الاجتماعية والثقافية والسياسية في مجتمعات مختلفة حول العالم. في ما يلي موجات النسوية المختلفة:

الموجة النسوية الأولى (أواخر القرن التاسع عشر -مطلع القرن العشرين): ركّزت الموجة الأولى على حق الاقتراع (الحق في التصويت) والحقوق القانونية للمرأة. هدفت الحركة آنذاك إلى معالجة قضايا مثل حقوق ملكية المرأة وحقها في التعليم والعمل. من الشخصيات البارزة في هذه الحركة سوزان ب. أنتوني، وإليزابيث كادي ستانتون وسوجورنر تروث.

الموجة الثانية من الحركة النسوية (الستينيات والثمانينيات): ظهرت الموجة الثانية من الحركة النسوية في الستينيات، وركزت على القضايا الاجتماعية والثقافية مثل أدوار الجنسين، والجنس والحقوق الإنجابية. هدفت الحركة في ذاك الوقت إلى معالجة قضايا مثل التحرش الجنسي، والعنف المنزلي والتمييز في مكان العمل. من الشخصيات البارزة فيها بيتي فريدان وغلوريا ستاينم وأودري لورد.

الموجة الثالثة من الحركة النسوية (التسعينيات – مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين): ظهرت الموجة الثالثة من الحركة النسوية في التسعينيات، وركزت على تقاطع الجنس مع العرق والطبقة الاجتماعية. هدفت الحركة إلى معالجة قضايا مثل تمثيل المرأة في وسائل الإعلام، والعدالة الإنجابية، والاعتراف بوجهات النظر والتجارب المتنوعة. بعض الشخصيات البارزة في هذه الحركة ريبيكا ووكر، وكيمبرلي كرينشو وسنانير الجرس.

الموجة النسوية الرابعة (2010 حتى الآن): ظهرت الموجة الرابعة من النسوية في 2010، وركزت على الأنشطة في وسائل التواصل الاجتماعي والتحرش عبر الإنترنت والتقاطع بينهما. تهدف هذه الحركة إلى معالجة قضايا مثل العنف القائم على النوع الاجتماعي والاعتراف بالهويات الجنسية المتنوعة. من الشخصيات البارزة في هذه الحركة ملالا يوسفي، وإيما واتسون ولافيرن كوكس. 

من المهم ملاحظة أن تطور الحركة النسوية بمرور الوقت يعكس السياقات الاجتماعية والثقافية والسياسية المتغيرة التي تعمل فيها الحركة، لكنها باتت أداة سيطرة وتطويع في يد العم سام لبسط إرادته على منطقتنا التي أطلق عليها تسمية “دول العالم الثالث”. ففي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستسعى لإخراج إيران من المنظمة العالمية الأولى للأمم المتحدة التي تكافح من أجل المساواة بين الجنسين؛ بسبب انتهاكها لحقوق النساء والفتيات، وحملتها المستمرة على المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع في أيلول/سبتمبر بعد وفاة مهسا أميني التي تم احتجازها من قبل الشرطة.

وقد صرّحت نائبة الرئيس كامالا هاريس عن نية الولايات المتحدة العمل مع دول أخرى لإخراج إيران من لجنة وضع المرأة، قائلة إنّه لا ينبغي لأي دولة تنتهك حقوق المرأة “أن تلعب دوراً في أي هيئة دولية أو تابعة للأمم المتحدة مكلفة حماية هذه الحقوق ذاتها”. وقالت إن إيران “غير مؤهلة” للعمل في اللجنة ووجودها “يسيء إلى نزاهة” عملها.

في اجتماع غير رسمي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن الاحتجاجات في إيران، قالت السفيرة الأميركية، ليندا توماس جرينفيلد، إن عضوية إيران “وصمة عار على مصداقية اللجنة” و”من وجهة نظرنا لا يمكن أن تصمد”، وهذا حرفياً ما تحقق في 14 كانون الأول/ديسمبر 2022، من دون أن ننسى توالي حزم العقوبات على أفراد إيرانيين وكيانات إيرانية تصفهم أميركا بأنّهم “جهات مسؤولة” عن قمع المتظاهرين في إيران. 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى