فُتحت معركة الرئاسة لا الحكومة
كتبت روزانا بو منصف في “النهار”
فتحت معركة #رئاسة الجمهورية قبل الحكومة التي يجب أن تؤلَّف بعد الانتخابات النيابية. يسأل البعض هل ثمة استعداد لدى أي دولة مهتمة بمنع المزيد من الانهيار لدفع ثمة حكومة يفترض أن تنتهي بعد بضعة أشهر إذا أُلّفت انطلاقاً من أن أي دولة كالولايات المتحدة أو فرنسا أو حتى أي دولة خليجية تطالب بتأليف حكومة، فإن إيران ستكون جاهزة للرد بضرورة بدء التفاوض حول الحكومة. في استعادة رئيس التيار العوني جبران باسيل أدبياته في رمي الاتهامات في خانة رؤساء الحكومة كما فعل مع الرئيس نجيب ميقاتي مستعيداً فصولاً مماثلة مع الرئيس سعد الحريري برفع سقف شروطه، ليس من استعداد لدى ميقاتي وفق ما يرجح كثر لإعادة تكليفه لا سيما لرغبة الثنائي الشيعي في غطاء سني وازن وفتح مشكلة مع الطائفة السنية، ولا لدى أفرقاء كثر لإعطاء العهد الذي بدأ العد العكسي لوجوده. يكلف ميقاتي ولا يؤلف، فيكون رئيساً مكلفاً ورئيساً لحكومة تصريف الأعمال مما يسهل إنجاز أمور عالقة كثيرة أمام الحكومة. الجهد الذي سيبذل في اتجاه إحداث توافقات لانتخاب رئيس للجمهورية يتفاعل في الأروقة الديبلوماسية لدول عدة ليس نتيجة اهتمامها بلبنان في ظل أولويات أكثر إلحاحاً، بل نتيجة الحاجة الى استكمال مسار التغيير من أجل وضع لبنان على سكة تجميد الانهيار ومنع تفاقمه لأن عملية النهوض ستأخذ وقتاً أكثر من ولاية رئيس جمهورية وأكثر من حكومة واحدة، إذ لا يتحدث المسؤولون المشغولون بالسياسات العليا المتصلة بترسيم الحدود البحرية والصراعات الشعبوية حول ذلك والحروب الاقليمية عن تحوّل الأزمة الى واقع مأسوي يمكن أن يأخذ في طريقه كل المؤسسات ويحدث اضطرابات اجتماعية قد تؤدي الى عدم استقرار لن يبقى من ضمن الحدود اللبنانية. والكمّ المتواصل من المساعدات الإنسانية لم يعد يكفي، وهو يشكل استنزافاً إضافياً للدول المهتمة. ويرى ديبلوماسيون كثر أن مساعدة لبنان على النهوض باتت تتمحور حول انتخاب رئيس جديد يعبّر عن التغيير أو يعطي أملاً به، وكذلك الأمر بالنسبة الى حكومة مماثلة، إذ إن هذا التغيير يبقى محط أنظار واهتمام يمكن أن يسهم في إعادة انخراط بعض الدول ولا سيما الخليجية منها بأكثر مما فعلت أخيراً في ظل حذر واضح يرافق أداءها. ويُنقل عن هؤلاء الديبلوماسيين أنهم سمعوا من مرجعيات محلية أن الجهد لتأليف حكومة جديدة على رغم أهميتها قد يكون ضائعاً، فيما أعطى باسيل فكرة عن التعقيدات أو التعطيل الذي يعيد تكرار فصوله في كل محطة مماثلة.
وإن كان ثمة قرار سياسي إقليمي دولي نظراً للتشابك المعروف على هذا الصعيد بتحريك فعلي لموضوع ترسيم الحدود وتمكين لبنان من بضع خطوات على هذا المسار وقد بدت لافتة اللقاءات الديبلوماسية التي عقدها الوسيط الأميركي مع ممثلة الأمم المتحدة وسفيرة فرنسا، فإن ذلك قد يرفع الآمال بأن قراراً بإجراء انتخابات رئاسية والاتفاق عليها لن يكون مستبعداً. عودة الانخراط السعودي في شكل أساسي لا يبقي ورقة الحكومة كما ورقة الرئاسة الأولى في يد إيران في شكل أساسي ومرجح، بل يوسّع المروحة لتكون مع فرنسا والولايات المتحدة والسعودية وإيران. فالجهد الذي بُذل مع المملكة السعودية من أجل العودة الى لبنان قد يأخذ بعداً إيجابياً إضافياً ببدء عودة المياه الى مجاريها بين الولايات المتحدة بإدارتها الديموقراطية الحالية والمملكة، فيما عدم الحماسة والفتور طبعا العلاقات بين الدول الخليجية وعهد الرئيس باراك أوباما، وبدأت سلباً مع إدارة جو بايدن.
اللافت بالنسبة الى القوى خارج فلك ٨ آذار واحتمال اتجاهها الى عدم تسمية ميقاتي ليس انسجاماً مع حملة باسيل على الأخير، بل انسجاماً مع تطلعات اللبنانيين الى تغيير لا يعيد الشخصيات التقليدية الى الواجهة، أن يشكل ورقة قوية بدأت تلقى صدى أكثر فأكثر لدى الدول المهتمة برئيس للجمهورية يكون عنواناً للتغيير بدوره. فانتخاب الرئيس نبيه بري حصل لاعتبارات متعددة من بينها عدم وجود شخصية بديلة من ضمن الطائفة الشيعية، فيما بقاء بري مطالب به خارجياً أكثر منه داخلياً من أجل عدم الاضطرار الى التعامل مع “حزب الله” على نحو مباشر ولا سيما في ظل العقوبات الاميركية والبريطانية والخليجية عليه الى جانب دول أخرى. الموضوع مختلف بالنسبة الى رئيس للحكومة يطالب أفرقاء كثر بأن يكون من خارج النادي التقليدي ربطاً بمجموعة مواصفات، ما يجعل صعباً التقيّد بمواصفات العودة الى المرشحين التقليديين في الرئاسة الأولى، لأن التغيير لا يلحق بالطائفة السنية ولا ينبغي أن يلحق بها وحدها انطلاقاً من هذه الاعتبارات ولا سيما أن الحريري خرج من الصورة السياسية راهناً. وتقول هذه المصادر إن موضوع الترسيم البحري لن يسمح ببيع الرئاسة من الأميركيين للفريق الرئاسي المفاوض وفق طموح هذا الفريق الذي فرض نفسه تقريباً على كل اللقاءات التي عُقدت مع الوسيط الأميركي، فيما يعيد هؤلاء الى الأذهان ما وجّهه رئيس التيار العوني أخيراً من رسالة بأن “معركتنا مع أميركا وإسرائيل وحلفائها الإقليميين” كما قال. فهذا يستكمل أداءً مداناً لهذا الفريق منذ سنوات من الدول الخليجية بالإضافة الى إدانته من غالبية الأفرقاء في الداخل ورفض المنتفضين منذ ١٧ تشرين الأول 2019 للعهد وفريقه في شكل خاص.
وتفيد معلومات ديبلوماسية أن ثمة اهتماماً يجري على أكثر من مستوى في الشأن الرئاسي وهو ليس مغيّباً إطلاقاً وإن لم تدخل أي من الدول المهتمة على خط تسويق مرشحين أو حرق آخرين. ولكن الاقتناع أن التغيير يبدأ كذلك من أعلى الهرم بغض النظر عن سهولة حصول انتخاب رئيس جديد من عدمه.