رأي

رئيس للجمهوريّة في مطبخ “ماكدونالدز”

لا شك أن دول العالم تنظر الى غالبية أركان الطبقة السياسية عندنا كونهم تماثيل الشمع. هؤلاء الذين ثرواتهم وأرواحهم في قبضة وزارة الخزانة الأميركية، باطلاعها الدقيق على كل الفضائح، وعلى كل الصفقات التي تورّطوا فيها أينما حلوا في هرمية السلطة.

من هنا الأحاديث الديبلوماسية حول لغز الغاز في لبنان، وكيف امتثل أولياء الأمر لرغبة ما، أو لتهديد ما، بابقاء ملف الطاقة في الثلاجة ريثما تستكمل “اسرائيل” دورة الغاز (من التنقيب الى التسويق)، ليدخل لبنان رغماً عنه، في نادي المنتجين من البوابة “الاسرائيلية”.

هذا الذي جعل آموس هوكشتاين يتعامل مع المسؤولين اللبنانيين بأنف مرفوع، الى أن ظهرت المسيّرات فوق حقل كاريش. المشهد تغيّر تماماً. لا مجال للمواربة أو للمراوغة، وهو ما يتبين من الاتصالات التي تجري وراء الضوء الى أن تدق ساعة الغاز، وهي وشيكة في لبنان، الا اذا فرضت التطورات الدولية، أو التطورات الاقليمية مساراً آخر للأحداث، وحتى مصيراً آخر للدول…

بطبيعة الحال، التصريحات والمواقف الفولكلورية على قدم وساق. قناعتنا بأن تسويق أي نقطة نفط، أو أي نقطة غاز، من الشرق الأوسط وتالياً من شرقي المتوسط، لا يتم من دون ضوء أخضر أميركي. ولكن هل صحيح أن هذا الضوء الذي يشمل عملية ترسيم الحدود البحرية والبدء بالتنقيب، لن يعطى قبل مغادرة الرئيس ميشال عون للقصر، ومع اعتبار أن ملف الغاز، كخشبة خلاص لبلد في قعر الجحيم، قد يستخدم كورقة مقايضة حول هوية رئيس الجمهورية العتيد؟

الأميركيون لم يقولوا بتغيير تماثيل الشمع. الفرنسيون ينصحون بالمساكنة مع تلك الآفات السياسية بانتظار تدخل اليد الالهية في تحديد مصيرهم. ولكن ألا نشعر، والمشهد السريلانكي يبدو بانورامياً أمامنا، بأن هؤلاء الذين طالما تعاملنا معهم ـ على الأقل نظرنا اليهم ـ ككائنات من الدرجة الثالثة، أكثر ديناميكية وأكثر ثورية وأكثر نقاء منا، حين تصدوا لصانعي الانهيار بغزو القصر الجمهوري، ومقر رئاسة الحكومة ليفرضوا التغيير، وليفضحوا أساقفة الفساد، اياهم اساقفة الخراب؟

حتى لو حكي عن ظلال صينية وظلال هندية، ببعد جيوسياسي أو ببعد جيوستراتيجي، الواضح أن ثمة أناساً خارج اطار البرمجة والتعليب، يعرفون أن يثوروا وكيف يثورون، لا أن يقطعوا الطرقات، ولا أن يحطموا واجهات المحلات، ولا أن يقتلعوا بلاط الأرصفة.

اذاً، بانتظار من يحل على حصان أبيض أو على حصات خشبي في قصر بعبدا، ثمة أحاديث ديبلوماسية أيضاً تربط الاستحقاق الدستوري حيناً بنتائج المفاوضات الأميركية ـ الايرانية، التي تبدو متعرجة جداً بسبب التدخلات العربية و”الاسرائيلية”، أو لكون آيات الله يعتقدون أن نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس في الخريف المقبل ستحوّل جو بايدن الى جثة بين جدران البيت الأبيض، وحيناً بنتائج الجولة الحالية للرئيس الأميركي، وهو الذي يراهن على دور أكثر تأثيراً للولايات المتحدة في ادارة خارطة الشرق الأوسط.

هل استند البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الى ذلك الرهان لتحديد مواصفات رئيس الجمهورية المقبل، ما يعني توجيه رسائل حساسة الى أكثر من جهة فاعلة بأن طريق القصر مقطوعة أمام سليمان فرنجية (كصديق لمحور الممانعة)، الأمر الذي شدد عليه سمير جعجع، بصلاته الوثيقة مع بكركي، كما بدوائر أميركية وسعودية تصر على مواصفات للرئيس اللبناني تكون بمنأى عن كل ما يمت بصلة الى المسار الحالي للسلطة.

مثلما لا لسليمان فرنجية، لا لسمير جعجع ولجبران باسيل. حديث عن شخصيات بعيدة عن عنتريات “الرئيس القوي”، وعن كل من ارتبط اسمه بثقافة الفساد التي ما زالت، حتى اللحظة، العقبة في وجه أي عملية اصلاحية لاعتقاد الأوليغارشيا الحاكمة بأن أي اصلاح اقتصادي يستتبع تلقائياً الاصلاح السياسي.

ليتنا ننتظر من يختار السريلانكيون رئيساً لهم لنختار رئيساً لنا. ولكن ألم تعلمنا الأيام، والمحن، أن صاحب الفخامة يطبخ عادة، كما اطباق “ماكدونالدز”، بأيد أجنبية لا بأيد لبنانية (شاهد ما شافش حاجة)؟ نحن، بشكل أو بآخر، أطباق من مطبخ “ماكدونالدز”، لكنها… الأطباق الباردة.

رئيس اصطناعي لشعب اصطناعي!!

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى