رئيس في الربع الساعة الأخير لولاية عون
كتبت روزانا بو منصف في “النهار”:
خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة التي بدأت مع تسارع الانهيار مع انطلاق انتفاضة 17 تشرين الاول 2019 برزت نظريات متعددة افادت بان اهل السلطة يدفعون الى الانهيار الكلي للبلد بطموح اعادة قولبته من جديد بناء على موازين قوى جديدة وواقع مختلف عن الذي كان عليه #لبنان خلال المئة السنة الاولى على ولادته. وعززت التقارير الدولية الصادرة عن الامم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية هذا الانطباع بتقاريرها المعلنة عن دفع متعمد نحو الانهيار من اهل السلطة فيما ان التجليات الاخيرة لظواهر الفوضى والتحلل المؤسساتي بدأت تنذر اكثر فاكثر بالوصول الى القعر. ولا يمكن لاهل السلطة الادعاء بانهم لم يعرفوا بذلك او انه بات يشكل مفاجأة لهم ما يذهب اليه البلد اكانت عصفورية او المزيد من جهنم ، فيما ان اخر الانذارات التي تلقوها كانت من الموفد الفرنسي بيان دوكان خلال جولة اخيرة قبل ايام .
ما بات ينتظره البعض من اهل السلطة بفارغ الصبر هو انتهاء عهد الرئيس #ميشال عون على خلفية الاستعصاء والتعطيل المستمرين اللذين طبعا مساره، ايا تكن الاسباب، فيما ان رئيسا يغادر بعد ثلاثة اشهر لم يعد يستطيع تقديم اي شيء. المفتاح بات هو انتخابات رئاسية بات تسارع سقوط البلد يشكل الحاحا على اجرائها في موعدها ، اي قبل انتهاء ولاية عون، وكذلك الامر بالنسبة الى عجز القوى السياسية على اختلافها تحمل تبعات هذا السقوط ما بعد انتهاء الولاية الرئاسية التي ستحمل مسؤولية ما حصل ، سواء صح ذلك كليا ام لم يصح . تكاد تجزم مصادر ديبلوماسية بحصول هذه الانتخابات وتراجع احتمال حصول فراغ رئاسي يمكن ان تستخدمه قوى اعتادت استغلال الفراغ وتوظيفه نتيجة لتدحرج الوضع على نحو مأساوي . ذلك ان الوضع الراهن لا يشبه لا 2008 بعد انتهاء ولاية اميل لحود ولا 2014 بعد انتهاء ولاية ميشال سليمان بل هو مختلف جذريا . فايران راهنا التي وان سحب القيادي العراقي مقتدى الصدر كتلته الكبيرة من مجلس النواب العراقي، فان القوى الموالية لايران لم تستطع تأليف حكومة حتى الان . وتعتقد هذه المصادر ان الدفع نحو المزيد من الفراغ في لبنان كما حصل سابقا ينذر بان يجعل من العراق ولبنان ثقلا كبيرا على عاتق ايران انطلاقا من ان السيارة التي يملك مفاتيحها “حزب الله” عليه ان يقودها وحده ما دام متحكما بقيادتها . ففي العراق حيث تستمر الازمة السياسية منذ اكثر من ثمانية اشهر لم تتمكن ايران من الاستئثار بالمشهد العراقي ولم يعد يمكنها تركيب السلطة التي تريد. وعلى رغم اختلاف العراق عن لبنان في نقاط كثيرة، الا ان التشابه على الاقل استنادا الى مدى النفوذ الايراني يسمح لهذه المصادر بالجزم بان صعوبة تركيب المشهد السياسي في العراق بالنسبة الى ايران ينسحب الى حد كبير على قدرتها على ذلك بالنسبة الى لبنان ايا تكن قوة التسلح التي يتمتع بها ” حزب الله” في لبنان. والمؤشر البارز على التغير ازاء الحزب كانت الانتخابات النيابية فيما ان المتغيرات المتصلة بالقدرة على توظيف السلاح باتت كبيرة جدا لا بل هائلة حتى لو ان الحاجة دائمة لتأكيد صلاحيته ومبررات وجوده .
ومن غير المستبعد لا بل من المرجح بالنسبة الى المصادر الديبلوماسية نفسها ان تجرى الانتخابات في اخر ايام ولاية عون في اخر تشرين الاول حيث تستنفد المناورات الرئاسية تحت وطأة عاملين : الاول هو ضغط الوقت بحيث يفترض عدم اتاحة المجال لفراغ رئاسي قد يفرض تعقيدات اضافية ويصبح اكثر كلفة بكثير على الجميع ولا سيما على المتسببين به لان لبنان سيكون في مرحلة سقوط حر في ظل شغور موقع الرئاسة الاولى وحكومة تصريف اعمال سيناكفها من داخلها من لا يزال يملك حقائب متعددة اي التيار العوني باعتبار هذه الحقائب الوزارية هي اسلوبه الوحيد لتأكيد تأثيره بعد انتهاء ولاية عون ومغادرته قصر بعبدا. والاخر هو ضغط الفوضى المتعاظمة في ظل انفتاح ابواب الازمات الاجتماعية على الغارب وتحذير الخارج للذين في موقع المسؤولية على نحو مباشر او غير مباشر من ان الانقاذ من امامكم والجوع من ورائكم . وتتزايد نسبة الترجيح الايجابي لذلك على وقع المؤشرات التي انطلقت من قمة جدة ازاء ايران حيث مدت المملكة السعودية اليد لها وكذلك دول الخليج التي تعيد سفيرين اليها واضطرار ايران الى الاقرار بالتوازن الحاصل في المنطقة على وقع التهدئة في اليمن والعجز عن التقدم في العراق والازمة المتحركة في لبنان فيما ان روسيا وايا تكن ازمتها في الحرب التي تشنها على اوكرانيا لن تترك سوريا لايران لاعتبارات متعددة ابرزها اهمية سوريا استراتيجيا بالنسبة الى روسيا وعدم رغبتها في خسارة اوراق لها قيمة مع الدول الخليجية والعربية وامتلاكها اوراقا لمناكفة الولايات المتحدة وحتى اسرائيل وتركيا . واذا كانت ايران لا تستطيع العودة الى الاتفاق النووي ولا اعلان انهائه، فان انفتاحها على الدول العربية يبقى خيارا اضطراريا وضروريا.
واللقاءات السعودية الايرانية يمكن ان تساهم في تفاهمات تساعد في تأمين اجراء الاستحقاق الرئاسي على خلفية ان تداعياتها يمكن ان تشمل لبنان على نحو غير مباشر كما يمكن ان يكون موضوع تفاهم مباشر يتيح المجال امام تسوية داخلية حول هوية الرئيس المقبل التي تراها المصادر الديبلوماسية المعنية بعيدة جدا عن المواصفات للمرشحين التقليديين ايا تكن المناورات وعمليات البيع والشراء التي يمكن ان تحصل في المدة الفاصلة عن الموعد الجدي لانتخاب الرئيس العتيد . السباق الراهن هو بين التفاهم على هذا الرئيس والذي تحتم الظروف ان يكون وسطيا ومقبولا لان الحزب اذكى من ان يحمل العهد المقبل لوحده ، وبين القدرة على تجميد الوضع وعدم تدحرجه اكثر حتى الوصول الى لحظة التفاهم وعدم تأخيرها او تأخرها واتاحة المجال لاطراف لديهم مصلحة في ذلك .