رئيس صنع في لبنان
كتب يونس السيد في صحيفة “الخليج”: على الرغم من الفوارق الكبيرة في مواقف مختلف الأطراف والقوى السياسية اللبنانية، إلا أن مسألة انتخاب رئيس لبناني من صناعة محلية، تبقى تداعب مخيلة اللبنانيين، حتى وإن بدت صعبة المنال في الظروف الراهنة وفي ظل التوازنات القائمة داخل البرلمان وخارجه.
يدرك اللبنانيون، كما القوى السياسية، أن مسألة انتخاب رئيس لبناني من دون تدخل خارجي، مهمة ليست سهلة، خصوصاً مع تباعد المواقف، وعدم رغبة أي طرف في تقديم أية تنازلات للطرف الآخر، لكنهم يخشون، في الوقت نفسه، من أن تؤدي إطالة أمد الفراغ الرئاسي، إلى دفعهم نحو نقطة اللاعودة، وبالتالي يصبحون أمام خيارين: إما الاضطرار إلى التوافق حول شخصية سياسية معينة، بغض النظر عن قناعاتهم ومواقفهم، أو انهيار البلد وخرابه بالكامل مع علمهم المسبق بكل الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية. والأسوأ من ذلك، هو عدم إسقاط احتمال انفجار البلد والعودة إلى الاقتتال والحروب الداخلية، برغم كل التطمينات التي يقدمها الجيش والقوى الأمنية.
البعض لا يزال يراهن على تسوية إقليمية دولية في لبنان، لكن هذه التسوية لم تنضج بعد، بل يعتقد أنه لن يتم التحرك جدياً في هذا الاتجاه قبل بداية العام المقبل، ويرى أن الجهة الوحيدة القادرة على لعب دور الوساطة محلياً وإقليمياً ودولياً هي فرنسا، لكن كل التحركات الفرنسية لم تتعد، حتى الآن، دور الاستطلاع وجس نبض مختلف الأطراف ريثما تتبلور لديها رؤية واضحة لإنجاح مثل هذه التسوية.
غير أن التسوية الخارجية الناجمة عن توافقات إقليمية ودولية، تبقى مسألة لا تقل تعقيداً عن الخلافات التي تضرب الساحة الداخلية. فمن جهة، هناك أولويات للأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة اللبنانية، كما أن هناك، من جهة أخرى، خلافات وقضايا شائكة بين بعضها بعضاً، وحتى لو توافقت الأطراف الخارجية حول تسوية ما، فهل سترضي مختلف الأطراف اللبنانية، أم أنها ستُفرض على الجميع، وما هي إمكانيات أو فرص نجاحها؟
من المهم التذكير هنا بأن الحوار الوطني، المستبعد حتى الآن، هو الخيار الأفضل للتوافق على مرشح رئاسي يحظى برضى الجميع، ويؤكد رغبتهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار، تمهيداً لانخراط الجميع أيضاً في مهمة إنقاذ البلاد وانتشالها من هاوية الانهيارات الاقتصادية والمالية والمجتمعية، والتي ليس فقط لم تعد خافية على أحد، وإنما يعيش فصولها جميع اللبنانيين على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم.
مشكلة القوى السياسية اللبنانية كافة، والتي طالما كانت تتغنى بصيغ التفاهم والتعايش المشترك، أنها تتفنن في إحراق جميع سفنها، وتمعن في تدمير كل الصلات والروابط في ما بينها، بانتظار أن يأتي الفرج من الخارج، من دون أن تأبه لجدوى فرض تسوية خارجية على واقع مدمر من الداخل، أو أن تتساءل عما إذا كان ذلك قد يقود بدوره إلى انفجار كبير. صحيح أنه لم يحدث عبر تاريخ لبنان الحديث انتخاب رئيس من صناعة لبنانية مئة في المئة، لكن لبنان اليوم هو أحوج ما يكون إلى هذه الصناعة المحلية.