رئيس جنوب أفريقيا في برلمان الجزائر وخطاب ضد طموحات شعوب أفريقيا

كتب البراق شادي عبدالسلام, في “العرب” :
العقل الإستراتيجي المغربي انطلاقا من الثوابت المؤسسة لسياسته الخارجية والمواقف الراسخة إزاء قضيته الوطنية الأولى قادر على إجهاض كل المؤامرات الدنيئة والمخططات الخبيثة التي تستهدف المغرب ووحدته الترابية.
الخطاب الذي ألقاه الرئيس الجنوب أفريقي ماتاميلا سيريل رامافوزا أمام البرلمان الجزائري خَيَّب آمال الشعوب الأفريقية التي تراهن على رئاسة جمهورية جنوب أفريقيا للدورة الحالية لمجموعة دول العشرين الاقتصادية بما تمثله من فرصة من أجل الترافع عن قضايا القارة الأفريقية وحق شعوبها في التنمية المستدامة والأمن والاستقرار.
فَتَحْتَ رئاسة جنوب أفريقيا، من المتوقع أن تعطي مجموعة العشرين الأولوية للقضايا الأكثر إلحاحا في أفريقيا مثل التنمية المستدامة والوصول العادل إلى الموارد والاستقرار الاقتصادي العالمي، مع تسليط الضوء على تحديات وفرص أفريقيا، وتعزيز تمثيل أكثر توازنا للجنوب العالمي في الخطاب الدولي من خلال التأكيد على ضرورة الحفاظ على سيادة ووحدة الدول في مواجهة المخططات التقسيمية وليس العكس.
وبدل أن يستغل رامافوزا وجوده في البرلمان الجزائري فإنه لم يدع النظام الجزائري إلى وقف حالة الجمود الإقليمي الذي ورط فيه مختلف شعوب شمال القارة الأفريقية وعطل بموجبه الاتحاد المغاربي كفضاء إقليمي للتنمية والاستقرار من خلال دعمه الواضح لميليشيا بوليساريو التي تهدد الاستقرار الإقليمي لمنطقة تعيش في ظل تحديات جيوسياسية متعددة بسبب وجود السرطان الإقليمي المتمثل في مخيمات الذل بتندوف التي تحولت بسبب ضيق الأفق التنموي وحالة الحصار التي تمارس على عشرات الآلاف من المحتجزين إلى بيئة حاضنة لمختلف التحديات الأمنية التي تهدد المنطقة كالإرهاب والجريمة والاتجار في البشر وغيرها من التحديات.
◄ جنوب أفريقيا كدولة فاعلة في محيطها القاري والدولي اليوم بسياساتها تسير في إطار ممنهج ضد مصالح الأجيال القادمة وبشكل يخالف الأسس التي انبنت عليها فكرة قيام دولة جنوب أفريقيا الديمقراطية
الشعوب الأفريقية كانت تنتظر من رامافوزا ألاّ يغض الطرف عن جرائم ضد الإنسانية تقع على بعد مئات الأميال من الجزائر العاصمة وأن يتحدث عن الوضعية المأساوية التي يعيشها عشرات الآلاف من المحتجزين الأفارقة في مخيمات تندوف سيئة السمعة التي تحولت إلى أكبر سجن في التاريخ الإنساني منذ أكثر من 50 سنة حيث تمارس في حق المحتجزين كل أنواع التنكيل والحرمان من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية بتواطؤ مع النظام الجزائري الذي يوفر لقادة هذه الميليشيا كل أنواع الدعم السياسي والمادي والعسكري من أجل خدمة مشروع الهيمنة على مقدرات الشعوب الأفريقية بعد بناء وهم الدولة الجزائرية الكبرى الممتدة من صحراء سيوة إلى المحيط الأطلسي.
رامافوزا ارتكب خطأ تاريخيا ودبلوماسيا كبيرا كرئيس لمجموعة دول العشرين الاقتصادية حيث أعلن عن دعم بلاده التي تتولى الرئاسة الحالية للمجموعة لمشروع تقسيمي يهدد الوحدة الترابية للمملكة المغربية الشريك الإستراتيجي الهام لمختلف الدول الأعضاء في مجموعة G20 التي تمثل مجتمعة حوالي 90 في المئة من إجمالي الناتج العالمي، و80 في المئة من التجارة العالمية وثلثي سكان العالم، وحوالي نصف مساحة اليابسة في العالم وهي الدول التي تدعم بشكل مباشر الوحدة الترابية للمملكة المغربية من خلال الدعم الواضح لمقترح الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد للنزاع الإقليمي المفتعل في الصحراء المغربية وبشكل خاص الترويكا المشكلة من الرئاسة السابقة والحالية والقادمة لمجموعة دول العشرين التي تقوم بمهام الأمانة العامة وتضم هذه الترويكا البرازيل التي جددت دعمها لمقترح الحكم الذاتي والولايات المتحدة التي تعترف بشكل واضح لا لبس فيه بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية؛ فما تجاهله رامافوزا أن دفاعه عن الطرح الانفصالي في البرلمان الجزائري قد حول خطابه إلى حركة بهلوانية مسيئة للتراث النضالي للشعب الجنوب أفريقي وللزخم السياسي والدبلوماسي الذي صاحب ترؤس جنوب أفريقيا للدورة الحالية لمجموعة العشرين، يحدث هذا في مقابل ديناميكية التغيير الإستراتيجي في النزاع الإقليمي المفتعل التي يقودها بثبات رائد العمل الأفريقي المشترك الملك محمد السادس حيث إن 85 في المئة من دول العالم (164 دولة من أصل 193 عضوا في الأمم المتحدة) لا تعترف بالكيان الانفصالي كما أن 112 دولة تدعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، ومن بينها أكثر من 60 في المئة من الدول الأفريقية عبرت عن دعمها الكامل لهذه المبادرة الخلاقة.
لا يخفى على أحد أن مخططات دعم الميليشيات الانفصالية التي تروّج لها جنوب أفريقيا قاريا تلعب دورا مدمرا في تعطيل الطموحات الأفريقية نحو التنمية المستدامة والوحدة السياسية التي تجسدها رؤية أفريقيا 2063، حيث ترسخ هذه المخططات التقسيمية التهديدات الأمنية والعسكرية والنزاعات المسلحة وغياب الاستقرار وتمدد الجماعات الإرهابية والمنظمات الإجرامية العابرة للقارات والميليشيات الانفصالية وتعزز فرص نجاح الفواعل التي تهدف إلى تقسيم الدول وتهديد سيادتها مما يعرقل جهود التكامل والسيطرة على الموارد، ويزيد من حدة الفقر والبطالة، حيث تُضعف هذه الانقسامات من تأثير قيم الحكم الرشيد والديمقراطية على المجتمع بشكل يكرّس أساليب انتهاك حقوق الإنسان في ارتباطها بالتنمية وعلى هذا الأساس تسهم هذه العوامل في تفشي ثقافة العنف والتطرف مما يعيق جهود تحقيق السلام والأمان ويجعل من الصعب على شعوب القارة تحقيق رؤيتها لعام 2063.
◄ المملكة المغربية تصر اليوم من خلال مقاربتها الحضارية الشاملة ومبادراتها التنموية المهيكلة على بناء صرح قاري هدفه الحفاظ وتثمين مقدرات وثروات الشعوب الأفريقية
وهنا يجب التأكيد أن دعم رامافوزا لميليشيا بوليساريو الإرهابية في خطاب أمام البرلمان الجزائري يتعارض مع القيم الأفريقية التي تجسدها رؤية أفريقيا 2063 حيث من المنتظر أن تلعب هذه الأجندة دورا محوريا في حل النزاعات في أفريقيا بهدف تعزيز السلام والأمن والاستقرار، وترسخ جهود تبني نهج وقائي لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاعات مثل الفقر والإرهاب من خلال استخدام الحوار والمصالحة كوسيلة لحل الخلافات، وبالتالي فهذا الخطاب يتعارض مع السياق القاري الداعم للموقف المغربي من النزاع الإقليمي المفتعل في الصحراء المغربية والمؤيد لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل سياسي تفاوضي لهذا النزاع الإقليمي.
خطاب رامافوزا أمام البرلمان الجزائري هو ارتداد صريح لجمهورية جنوب أفريقيا والمؤتمر الوطني الأفريقي على قيم نيلسون مانديلا من خلال دعم مخطط تقسيمي يهدد حرية واستقلال وسيادة المملكة المغربية ويشجع السياسات الاستعمارية الجديدة التي تمثلها الدول الوظيفية كالنظام الشمولي الجزائري؛ حيث أن هذا الخطاب يمثل تكريسا واضحا لسياسات جنوب أفريقيا العدائية ضد المملكة المغربية والتي تظهر بالملموس تشكل محور الجزائر – بريتوريا الذي يستهدف الاستقرار الإقليمي والسيادة المغربية بدعم ميليشيا بوليساريو التي تهدد الأمن الإقليمي والقاري. فالملاحظ أن هناك شبه اتفاق بين محور بريتوريا- الجزائر على تحجيم دور المغرب قاريا وإقليميا، فالتقدم الكبير الذي حققه المغرب في أفريقيا وخاصة في شرقها وجنوبها أصبح يزعج مراكز القرار السياسية في بريتوريا والاقتصادية في جوهانسبورغ، كما أن قوة ومرونة وجاذبية الاقتصاد المغربي أصبحت تشكل منافسا حقيقيا لقوة الاقتصاد الجنوب أفريقي في القارة.
التمدد الجيوسياسي المغربي في أفريقيا باستخدام قنوات دبلوماسية متعددة الأطراف كالاتفاقات الإقليمية والقارية المرتبطة بالمناخ والعودة القوية إلى منظمة الاتحاد الأفريقي والتموقع الجيد في هياكله القارية والانخراط الجدي في التكتلات الإقليمية الجديدة كمجموعة دول أفريقيا الأطلسية والمبادرة الملكية لتسهيل ولوج دول الساحل للواجهة الأطلسية والمشروع الهيكلي أنبوب الغاز الأفريقي – الأطلسي بتداعياته التنموية الإيجابية على غرب أفريقيا ومناورات الأسد الأفريقي وهيمنتها على المجال الأمني المفتوح في الصحراء الأفريقية والساحل ونجاح نهج دبلوماسية القنصليات والزخم السياسي المصاحب لها كلها ملفات تشكل أمام النظام الجنوب أفريقي تحديات قارية تعمل جاهدة على وقف تأثيرها على تموقعها السياسي كدولة رائدة أفريقية.
◄ الشعوب الأفريقية كانت تنتظر من رامافوزا ألاّ يغض الطرف عن جرائم ضد الإنسانية ويتحدث عن الوضعية المأساوية التي يعيشها عشرات الآلاف من المحتجزين الأفارقة في مخيمات تندوف سيئة السمعة
كل هذه المعطيات تزعج محور بريتوريا – الجزائر الذي يرى في المغرب بتوجهاته السياسية والاقتصادية تهديدا لمصالحه، وبالتالي فخطاب رامافوزا العدائي في هذا التوقيت هدفه الأساس مواجهة التمدد الجيوسياسي المغربي في أفريقيا حيث أصبح المغرب بحكم موقعه الجغرافي وتاريخه الأفريقي المشترك من الدول الأكثر حضورا وتمثيلا للقارة الأفريقية وشعوبها في المنتظم الدولي خاصة في الترافع على القضايا الأفريقية المشتركة كالتغير المناخي والتنمية المستدامة والأمن ومكافحة الإرهاب والتطرف والهجرة.
بالنظر إلى العلاقات الوطيدة بين بريتوريا والجزائر تتكشف الكثير من خيوط اللعبة الخفية التي تلعبها المخابرات الجزائرية ودوائر إقليمية للإضرار بالمصالح العليا للمغرب في مختلف الميادين والساحات الدبلوماسية ومحاولة فاشلة لتحجيم دور الرباط المتعاظم قاريا والضغط عليها سياسيا لتحقيق مكاسب اقتصادية في السوق المغربية الواعدة.
العقل الإستراتيجي المغربي انطلاقا من الثوابت المؤسسة لسياسته الخارجية والمواقف الراسخة إزاء قضيته الوطنية الأولى قادر على إجهاض كل المؤامرات الدنيئة والمخططات الخبيثة التي تستهدف المغرب ووحدته الترابية.
وجنوب أفريقيا كدولة فاعلة في محيطها القاري والدولي اليوم بسياساتها تسير في إطار ممنهج ضد مصالح الأجيال القادمة وبشكل يخالف الأسس التي انبنت عليها فكرة قيام دولة جنوب أفريقيا الديمقراطية ما بعد حقبة الأبارتايد بمراهنتها على نظام شمولي غير ديمقراطي لا رؤية إستراتيجية له من أجل بناء محور قاري بين الجزائر وبريتوريا وجوده مرتبط بمعاكسة دولة ذات سيادة في الحفاظ على وحدتها الترابية وأمنها القومي بأبعاده المتعددة.
فالمملكة المغربية تصر اليوم من خلال مقاربتها الحضارية الشاملة ومبادراتها التنموية المهيكلة على بناء صرح قاري هدفه الحفاظ وتثمين مقدرات وثروات الشعوب الأفريقية وضمان حقوق الأجيال القادمة من الأفارقة في العيش الكريم والأمن والسلام والاستقرار.