رأي

رؤية مستنيرة في بناء الوطن والإنسان

كتب أ.د. محمّد عبد الرّحيم سلطان العلماء في صحيفة البيان.

من خلال وسم «علّمتني الحياة» ما زال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، يخاطب عشاق حرفه ومستلهمي رؤاه وفكره بكلمات مكثفة تعكس خبرته العميقة في شؤون الحياة، وتجسد رؤيته النافذة في أسباب التقدم وآليات الريادة، وهي كلمات نابعة من مسيرة طويلة من العمل الدؤوب في بناء الوطن، وتطوير مسيرته التنموية، وارتياد الآفاق التي لا يقترب منها الآخرون، ليجتمع من ذلك كله الرؤية المستنيرة في بناء الوطن والإنسان.

وليكون ذلك كلّه تلخيصاً لمقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الشهيرة في كتابه «تأملات في السعادة والإيجابية» حين قال: «أكبر نجاحٍ لأي قائد ليس صناعة الإنجازات، بل صناعة الإنسان»، ولأنّ صناعة الإنسان هي المهمة المفتوحة على الزمن، ولا تتوقف عند مرحلة من التاريخ، فإن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ما زال ذلك القائد الحريص على مخاطبة الإنسان، وتوجيه دفة الحياة نحو مزيد من الإنجاز والإبداع من خلال الجمع النادر بين الرؤى النظرية والفعل التطبيقي الذي يجعل منه رجل القول والفعل بامتياز يعرفه القاصي والداني ممن يتابع مسيرة سموه، ويعرف عمق حضوره في بناء هذا الوطن الزاهر الجميل.

في هذا الإطار من الاهتمام المتواصل ببناء الوطن والإنسان، نشر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي تدوينة ثمينة قليلة الكلمات، لكنها عميقة المحتوى والدلالات على المعهود من سيرته في بناء هذا النمط الفريد من التغريدات العميقة التأثير، أضاء فيها فكرة الطموح من منظوره الشخصي وخبرته الذاتية المتميزة، وأنها ليست.

كما يظن الناس مجرد شعور ساكن في الروح، بل هي الوقود الذي يضخ الدم في شرايين الإنسان، وينتقل به نحو أرقى المراتب على المستويات الفردية والمجتمعية والحضارية. «علّمتني الحياة: أنّ ما يقود الشعوب نحو التطور ليس الوفرة المادية، بل الطموح، الطموح العظيم»، بهذه الكلمات المتوهجة بالصدق والخبرة والعزيمة يغير صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، النظرة النمطية لمفهوم التطور.

والتي تقوم في جوهرها على الوفرة المادية التي تعني الثروة في المقام الأول، ليجتث هذه النظرة السائدة من جذورها، ويقدم مفهوماً جديداً للتطور يتجاوز المألوف، ويحمل عنصر المفاجأة للقارئ، ليقرر من خلال حرف الإضراب «بل» أنّ الطموح، بل الطموح العظيم هو الذي يقود الشعوب نحو التطوّر وصنع الذات الحضارية، فالطموح لغة هو ارتفاع البصر نحو الأهداف البعيدة، والطموح اصطلاحاً هو الرغبة الجامحة في تحقيق الأهداف وعدم الركون إلى الأهداف القريبة المتيسرة، فالطموح والجموح من باب واحد، لكن دلالة الطموح على المعنى الإيجابي للسلوك الإنساني هي الأكثر.

وهذا هو المعنى الذي يريده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي لم يرض للفظ الطموح أن يكون محايداً، بل وصفه بالعظيم تأكيداً على خطورته، وأن الروح الإنسانية لا تتقدم من خلال الأهداف المتواضعة الدانية القطاف، بل لا بد للإنسان من رفع سقف طموحاته حتى يكاد يلامس القمم، حتى قال عمر بن عبدالعزيز فيما أثر عنه:

«قيمة كل امرئ همته»، وهو ما يحرص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، على تجذيره في تربة الروح الوطنية وبين شباب الوطن وشاباته، ويجعله نمطاً راسخاً من الثقافة التي ستكون كفيلة بتغيير نمط التفكير وإطلاق الطاقات، وبناء المهارات التي عقد لها سموه فصلاً ثميناً في كتابه «رؤيتي:

التحديات في سباق التميز»، افتتحه بقوله: «لا الآلة ولا المال يصنعان الازدهار ويقهران المستحيل، بل الإنسان»، ولتكون هذه التغريدة هي الصدى العميق لهذه الفكرة التي كتبها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وتحدث عنها كوسيلة لتحقيق النجاح والتفوق في مسيرة البناء والإعمار. «نحن بشر، يحرّكنا الإلهام والطموح أكثر من أيّ شيء آخر».

وهذه قاعدة تربوية قيادية نابعة من قلب وعقل كبيرين لهما في صناعة الحياة المتميزة أكبر إنجاز، فالبشر الحقيقيون ليسوا مؤطرين داخل قفص المعطيات المادية فإذا توفرت كان لهم نصيب في صناعة الحياة، لكنهم وبحسب نظرة سموه، هم البشر الذين يمتلكون طاقة روحية مبدعة تحفزهم نحو إبداع من نمط متفرد، فالذي يحركهم هو المعنويات والرغبة الجارفة في صناعة المستحيل وقهر كل الظروف والتحديات، وحين نتبصر في سيرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نجدها تجسيداً حقيقياً للمواجهة وتذليل العقبات وقهر المستحيل.

ولذلك هو لا يحب الحياة الخالية من التحديات، وهو لا يكتب من منطلق الوضع الراهن للوطن، بل يسترجع بذاكرته مسيرة الآباء والأجداد الذين صبروا على ظروف كانت غاية في القسوة وشظف العيش، لكنهم بصبرهم العظيم وصلوا بهذا الوطن إلى هذه اللحظة التاريخية الفارقة التي أصبحت فيها الإمارات نموذجا فذاً بين الأمم والشعوب.

في الفصل السادس من كتاب «رؤيتي»، والذي حمل عنوان «ضفاف الخور»، يستذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ظروف المعاناة التي عاشها الأجداد الغوّاصون الباحثون عن اللؤلؤ في أعماق البحار، ويرسم تلك الظروف بريشة الفنان قائلاً:

«ولا أزال أذكر تأثّري الشديد بما كنت أسمعه عن المعاناة التي كان الغوّاصون يواجهونها، وظلّت تلك الصور في مخيّلتي حتى هاجت في صدري على شكل قصيدة حاولتُ فيها تجسيد بعض صور ذلك الواقع الأليم والمجالدة الصعبة لتكون مستنداً صادقاً أمام أنظار أبنائنا ليدركوا حجم ما كان يقوم به أهلهم ويتحمّلونه من شدائد ومشقّاتٍ من أجل العيش والبقاء والحفاظ على الأرض والكرامة».. ثم قال:

يا صراع أهل شعبي وأهل شعبي مثال

في الصبر والبطولة مجد إمسطّرا

كيف أوصف مشاعر وجدها في اشتعال

حار فيها خيالي واعترى ما اعترى

موسم الغوص ضرب من ضروب المحال

والبحر فيه ظالم كم عدى وافترى

موسم الغوص قصة ما محاها زلال

كم لها عيون دمعها أحمرا

موسم الغوص حرب ليس فيها قتال

والرجال الأشاوس هم لها عسكرا

نادرون هم القادة الذين يكونون ضميراً للوطن، والكاتبين لقصّة مجده وبنائه، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هو من هذا النمط الفريد من القادة، يحمل وطنه في أعماق قلبه، ويكتب قصته بإنجازاته وكلماته، ويُقدّم للأجيال هذه الخبرات التي تلهم العقول والقلوب من أجل أن يظل الوطن قيمة عليا فوق معايير الربح والخسارة، والوفرة المادية وليظل الطموح هو الحافز الأكبر لمواصلة المسيرة وإعلاء شأن الوطن والإنسان.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى