
كتبت الصحافية جنى شوربا, في صحيفة “رأي سياسي”:

في لحظة دقيقة من عمر الأزمة اللبنانية، شكّلت زيارة رئيس الجمهورية العماد جوزف عون إلى دولة الكويت بارقة أمل ورسالة انفتاح باتجاه الخليج العربي. كانت الزيارة أكثر من مجرد لقاء بروتوكولي، بل محاولة جدية لإعادة وصل ما انقطع وفتح صفحة جديدة في العلاقات اللبنانية – الخليجية، خصوصًا مع الكويت التي لطالما دعمت لبنان في محطّاته المفصلية.
يعيش لبنان اليوم إحدى أكثر مراحله حساسية، إذ يواجه أزمة مالية خانقة، وتراجعًا في مستوى الخدمات العامة، إلى جانب الفراغات الدستورية وغياب الإصلاحات الجذرية. ومع تراجع الاهتمام الدولي، أصبح السعي لاستعادة الدعم العربي ضرورة، خصوصًا في ظل قرب تبنّي مبدأ “المساعدة مقابل الإصلاح” من قبل الجهات الدولية. في هذا السياق، جاءت زيارة الرئيس عون لتفعيل العلاقات اللبنانية – الكويتية، مع التركيز على التعاون الاقتصادي والاستثماري.
الكويت استقبلت الزيارة بحفاوة، مؤكدة عمق العلاقات بين البلدين. جرى التأكيد على ضرورة تعزيز التعاون في مجالات مثل الزراعة والتعليم والطاقة، مع إعادة إحياء المشاريع المجمّدة. الرئيس عون شدّد على التزام لبنان بسياسة الانفتاح والتعاون البنّاء مع الأشقاء العرب، وأكد على أهمية استعادة الزخم الخليجي لدعم التعافي الاقتصادي عبر شراكات استثمارية متكافئة تعود بالفائدة على الطرفين. كما أكد أن الحكومة اللبنانية تعمل على تحسين البيئة المؤسسية وتبسيط الإجراءات أمام المستثمرين، بما في ذلك الكويتيين الذين لهم دور محوري في السوق اللبناني.
رغم هذه التوجهات الإيجابية، تبقى التحديات قائمة، خاصة أن المستثمر الخليجي ينظر بحذر إلى بيئة الاستثمار في لبنان نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية المتراكمة. أيّ انفتاح اقتصادي يتطلب مسار ثقة طويل الأمد، مع إصلاحات ملموسة لتعزيز الشفافية وفرض سيادة القانون. لا بد من خطوات جادّة تبعث على الطمأنينة وتزيل الشكوك المحيطة بالاستثمار في لبنان.
تعد زيارة الرئيس عون إلى الكويت من أوائل الخطوات الخارجية للعهد الجديد، وتُجسّد رسالة أن لبنان، رغم أزماته، لا يزال ملتزمًا بعمقه العربي. وإذا تبعت هذه الزيارة خطوات عملية مثل تفعيل اللجان المشتركة أو عقد مؤتمرات استثمارية، فإنها قد تؤثر إيجابًا على الاقتصاد اللبناني، وتساهم في تحريك عجلة التنمية.
في المقابل، للكويت أيضًا مصلحة في استقرار لبنان، سواء على المستوى السياسي أو الأمني، مما يجعلها لاعبًا إقليميًا قادرًا على تسهيل عودة لبنان التدريجية إلى الحضن العربي. لكن هذا يتطلب خطوات لبنانية داخلية تؤكد الجدية في الإصلاح والعمل.
ولعلّ السؤال الأبرز الذي تطرحه الزيارة هو: هل تعود بيروت إلى الحضن الخليجي؟ والجواب يرتبط بإرادة الطرفين. من جهة، يجب على لبنان أن يُترجم رسائل الانفتاح إلى إصلاحات واقعية تفتح الباب أمام الثقة المتبادلة. من جهة أخرى، على الخليج، وخاصة الكويت، أن يُعيد النظر في كيفية دعم لبنان بطريقة تضمن الاستدامة.
ختامًا، فتحت زيارة الكويت بابًا جديدًا في العلاقات اللبنانية – الخليجية، لكنها لن تكون كافية ما لم تتبعها خطوات عملية من الجانبين لضمان نتائج ملموسة تعود بالفائدة على لبنان والمنطقة. وبين الأمل والتحدي، يبقى لبنان أمام فرصة لإعادة التوازن إلى علاقاته الخارجية.