ديموقراطية بلا ديموقراطيين
كتب ناصر العبدلي في صحيفة القبس.
أتذكّر قبل ما يقارب العشرين عاماً كنت في زيارة لسمو الشيخ ناصر محمد الأحمد، أطال الله في عمره، وكان حينها وزيراً للديوان الأميري، وقد وجدت لديه في مكتبه بالصدفة السيد عبدالرحمن العتيقي الوزير والمستشار السابق رحمه الله، ودار بيننا حديث طويل حول الديموقراطية، وكنت في ذلك الوقت رئيساً للجمعية الكويتية لتنمية الديموقراطية، بقي في الذاكرة منه أن العتيقي قال إنه يتمنى ديموقراطية شبيهة بالديموقراطية السويسرية، وأجبته بأن ذلك سهل إذا أعطاني شعباً كالشعب السويسري.
استحضار مثل هذه الذكريات كان بمناسبة كتابة أحد الأخوة (مواطن خليجي) مقالاً انتقد فيه الديموقراطية الكويتية، ورأى فيها معوقاً للتنمية، وسبباً للتراجع الذي تمر به البلاد حالياً على كل الأصعدة، حتى إنه عمل مقارنة لها مع بعض الدول المجاورة، وكيف تقدمت تلك الدول وتأخرت الكويت، ليصل في نهاية المقال إلى أن خيار الديموقراطية بشكل عام ليس خياراً يعتد به، وأن البديل الذي يراه أفضل بكثير من ديموقراطيتنا.
ما يثير الاستغراب ليس النقد، فقد سمعناه وقرأناه أكثر من مرة، وسيظل هناك من يشكك بالتجربة الديموقراطية حتى في الولايات المتحدة الأميركية، وهي من أكبر الديموقراطيات في العالم، بل الهجوم الشرس الذي تعرّض له هذا الكاتب، الأمر الذي يؤكد أننا نعاني كشعب من مشكلة قصور وفهم للديموقراطية، فالديموقراطية، التي عجزت عن استيعاب مثل هذا النقد والتعاطي معه برقيٍّ، ليست كما يجب وحالها يرثى له، وتتطلب أن نتوقف كشعب ونراجع فهمنا تحت ذريعة سؤال بمثل حجم الديموقراطية: هل نحن ديموقراطيون؟
الكويت بلد ديموقراطي استناداً إلى نصوص الدستور، هذه حقيقة لا يمكن الجدل حولها، ومن ينكرها يحتاج إلى دورة مكثفة لفهم معنى الديموقراطية، ولا يضر هذه الحقيقة أن هناك بعض بعض النقاط بحاجة إلى معالجة، بناء على هذا المشوار الطويل الممتد من عشرينيات القرن الماضي، لكن أن يكون لدى البعض فهم قاصر للعملية الديموقراطية فذلك مسؤوليته، وعليه أن يسارع إلى تبديد هذا الفهم القاصر، لأن ديموقراطيتنا لم تأت من فراغ، بل من تضحيات عظيمة وصلت إلى التضحية بالدم من أجلها، وإن مرت بكبوة في وقت من الأوقات.. فلكل حصان كبوة.