«دونيّة» رسميّة في المحادثات مع هوكشتاين…تنازلات دون ثمن !
كتب ابراهيم ناصر الدين في “الديار”:
اذا كان من عنوان يختصر زيارة الديبلوماسي الاميركي عاموس هوكشتاين الى بيروت، فهو «الفضيحة»، لماذا؟ لان «الوسيط» الاميركي غير النزيه لاقى في الشكل والمضمون مجموعة من المسؤولين اللبنانيين ممن تسابقوا على نيل «الرضى» الاميركي اولا، حتى بدا ملف الترسيم البحري ثانويا في المحادثات، خصوصا ان هوكشتاين تقصد في «محاضراته» التي تلاها على مسامع كل من التقاهم التذكير بان موقف لبنان ضعيف جدا، وليس في جعبته الا «صفر مكعب»، واي شيء يحصل عليه»منة» من «اسرائيل»، وهو مكسب يجب ان يتمسك به، لانه دون ذلك سيبقى على «رصيف الانتظار»، بينما يجري العمل على الضفة الاخرى على استخراج الغاز. في المقابل، لم يشعرهوكشتاين ان قدرات المقاومة الردعية كانت حاضرة في اي من المقرات الرسمية، وكأن المعادلة التي وضعها الامين العام لحزب الله السيد نصرالله قبل ساعات من قدومه لم تبلغ مسامع الجانب اللبناني، بينما كان وقعها قويا في «اسرائيل»؟!
وفقا لمصدر مطلع، لم يعد انتظار جواب «اسرائيل» عبر هوكشتاين جوهر القضية، فما يطالب به الجانب اللبناني اليوم اقل بكثير من حقوقه القانونية التي يرسمها «الخط 29»، وقد المح هوكشتاين الى ان لبنان ليس قادراعلى وقف اعمال التنقيب «الاسرائيلية»، لان «الاسرائيليين» من وجهة نظر اميركية ودولية لا يعملون في المنطقة المتنازع عليها، ولان العالم اليوم يحتاج الى الغاز لتعويض النقص من المصدر الروسي، ولن يجرؤ احد على «اللعب» في ملف استراتيجي على هذا القدر من الخطورة. ولهذا لم تكن مجرد صدفة تزامن هذه المحداثات في بيروت، مع توقيع وزارة الطاقة «الإسرائيليّة» مع مصر والاتحاد الأوروبيّ اتفاقاً لتصدير الغاز الطبيعيّ بعد ساعات من اعلان الاتحاد الأوروبيّ بان «إسرائيل» يمكن أن تكون مصدراً جديداً للغاز، في وقت يسعى لتقليص الاعتماد على الطاقة الروسيّة. وسيسمح الاتفاق لأول مرة بتصدير «كميات كبيرة» من الغاز إلى أوروبا.
في الشكل، كان استنفارالمقرات الرسمية السياسية والعسكرية لاستقبال الموفد الاميركي مثير «للشفقة» بحسب ديبلوماسي اوروبي، عبّرامام عدد من الاعلاميين عن ذهوله من كيفية تعامل المسؤولين اللبنانيين مع موظف ديبلوماسي من الدرجة الثالثة، عبر منحه كل هذه المساحة من الحضور السياسي، فيما كان يمكن اختصار زيارته بلقاء واحد مع رئيس الجمهورية باعتباره مكلفا بادارة المفاوضات.!
وما لم يقله الديبلوماسي الاوروبي، لفت اليه مصدرغير رسمي معني بالملف، بالقول ان «الدونية» اللبنانية في التعامل مع هوكشتاين تعبر بوضوح عن حالة الانحلال السياسي والاخلاقي الذي وصلت اليه السياسة في لبنان، فمن هو هوكشتاين كي تقام له مائدة عشاء «تكريمية» على طاولة نائب رئيس المجلس النيابي الياس بوصعب، المكلف بالتفاوض من قبل الرئيس عون، وما هو عنوان هذه «الوليمة»؟ ولماذا تكريمه اصلا؟ وما دامت زيارته محددة، وتم التفاهم على جواب موحد كلف رئيس الجمهورية ابلاغه اياه، لماذا انتظر المسؤولين اللبنانيين «بالصف» لاستقباله؟
في المضمون، لم يتجرأ اي من المسؤولين اللبنانيين على ابلاغه بان بلاده مسؤولة عن منع استكشاف الشركات الدولية للغاز والنفط في البحر اللبناني، ولم يطالبه احد بضرورة حصول تغيير في المقاربة الاميركية للملف، والذي تديره واشنطن وفقا للمصالح «الاسرائيلية». اما المفارقة فكانت في مبادرته هو الى «تقريع» المسؤولين اللبنانيين من خلال تحميلهم مسؤولية التأخير في الاستكشاف والتنقيب، بفعل خلافاتهم وانقساماتهم، وعدم التعامل بجدية مع الملف لسنوات طويلة. وللمفارقة ان في كلامه الكثير من الصحة.
ام النقطة الاهم، بحسب تلك المصادر، ان المسؤولين اللبنانيين لم يستخدموا «الورقة» الرابحة التي منحهم اياها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل ساعات من وصول هوكشتاين الى بيروت. فالموفد الاميركي لم يشعر خلال محادثاته ان الجانب اللبناني، يحمل «بيد» عصا نصرالله الغليظة، وفي «اليد» الاخرى ورقة التفاوض، وكأن احداً منهم لم يسمع بضرورة وقف التنقيب بحقل «كاريش» حتى يتم فض النزاع، بل شعر هوكشتاين منذ اللحظة الاولى ان المفاوض اللبناني، منعزل عن موقف حزب الله، وبدا اكثر استعدادا لتقديم التنازلات. فتم ابلاغه رسميا على العشاء عند بوصعب انه لن يسمع في محادثاته مع رئيس الجمهورية بالخط 29بعدما اتخذ القرار بالتخلي عنه كخط تفاوضي، بعدما تم ابلاغ المؤسسة العسكرية بوقف «التجاذبات» حوله، فطالب الموفد الاميركي بالتزام علني، وهو ما حصل عليه.. وهكذا لم يحضر هذا «الخط» على «الطاولة» لا من قريب او بعيد، لكن هذا لم يمنع هوكشتاين من تمرير نصيحة «مسمومة» اشار فيها الى ان التفكير باللجوء الى الامم المتحدة مجرد هدر للوقت، لانه لن يؤدي الى اي تغييرات واقعية!
وامام هذه المعطيات، من المرجح الآن، عدم حصول لبنان على جواب «اسرائيلي» نهائي حول الاقتراحات الجديدة، فالمماطلة «الاسرائيلية» متوقعة، وما قد يحمله هوكشتاين مجرد موافقة على عودة المفاوضات غير المباشرة في الناقورة انطلاقا من الخط الجديد، بعد دفن «ال29»، والرد اللبناني الشفهي، سيتحول الى مكتوب في حال التوصل الى تسوية في تلك المحادثات التي لن يسبقها وقف الاعمال «الاسرائيلية» في حقل «كاريش» الذي بات باقرار لبناني خارج حدود الحقوق اللبنانية المتنازع عليها، وفي هذا الســياق، كان هوكشتاين واضحا في تأكيده ان سفينة «انرجين» تقف على مسافة بعيدة عن المنطقة المتنازع عليها بنحو ميلين ونصف الميل، وهي لن تقترب من تلك المنطقة.
ووفقا للمعلومات، ما اقترحه الجانب اللبناني هو زيادة المساحة البحرية من 860 كيلومتراً مربعاً إلى نحو 1200، بما يشمل حقل قانا الذي يمر به الخط 23 والملاصق للرقعة البحرية اللبنانية رقم 9 التي لم تبدأ أعمال الاستكشاف فيها حتى الآن، رغم أنها مُلزّمة منذ أكثر من 3 سنوات لشركة «توتال» الفرنسية التي لم تحرك ساكنا حتى اليوم، دون تقديم اي ردود مقنعة حول عدم البدء بالاستكشاف، ومع ذلك جرى تمــديد عقدها من قبل الحكومة ل3سنوات جديدة؟
في الخلاصة، قدم لبنان تنازلات مجانية «كثمن» للعودة الى طاولة المفاوضات غير المباشرة، ولم يحصل من الاميركيين على اي ضمانات بالضغط على «اسرائيل» لمنحه حقل «قانا». كما لم يحصل على اي ضمانات برفع «الفيتو» الاميركي عن الشركات العالمية لبدء الاستكشاف والتنقيب. ووفقا للديبلوماسي الاوروبي فانه لم ير مثيلا «للفوضى» الديبلوماسية اللبنانية التي انتهت بعد سنوات من الوقت الضائع الى حال من «التخبط» الذي ستستفيد منه «اسرائيل»، الا اذا حــصل تدهور اقليمي خطير، عندها قد يدفع «الاســرائيليون» ثمن «المماطلة» لانهم سيكتشفون حينها ان القوى «المناهضة» على الجبهة الشمالية لا تملك شيئا لتخــسره، وعندها سيكون دفع الثمن من جهة واحدة.؟!