رأي

دولة فلسطين والأمم المتحدة

كتب د. ناصر زيدان في صحيفة الخليج.

من حق فلسطين أن يكون لها مقعد دائم، وعضوية كاملة بين الدول التي تتشكَّل منها الجمعية العامة للأمم المتحدة، ذلك أنها شعب، وأرض، وسلطة، بصرف النظر عن النزاعات التي أوجدها الانتداب، ومن ثمّ الاحتلال، وما نتج عنهما من اختلالات قانونية وواقعية. ويمكن التذكير بالقرار رقم 181 بتاريخ 29/11/1947 الصادر عن الأمم المتحدة للتأكيد على حق الفلسطينيين بدولة كاملة السيادة، بصرف النظر عن الاعتراضات السياسية العربية التي واجهت قرار التقسيم في حينها. وفي ذلك الوقت كان عدد الأعضاء في الأمم المتحدة 56 دولة، بينما هي اليوم 193 دولة، أي أن تأهّل فلسطين للعضوية سبق أحقية أغلبية من الدول الأعضاء.

يدور نقاش بين أساتذة القانون الدولي العام حول الخطوات التي حصلت في مجلس الأمن الدولي، لاسيما بعد «الفيتو» الأمريكي في 18 إبريل/ نيسان الماضي، ضد توصية قبول العضوية الكاملة لدولة فلسطين التي تتمتع بمقعد مراقب في الأمم المتحدة منذ عام 2012.

فهل الفيتو الأمريكي له قوة تعطيلية للتوصية التي وافقت عليها 12 دولة في مجلس الأمن، وهي تحتاج لتسعة أعضاء فقط، وفق ما جاء في الفصل الثاني؟ بينما حق النقض «الفيتو» الذي أعطاه ميثاق الأمم المتحدة للدول الخمس دائمة العضوية (الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين وبريطانيا) تحددت موضوعاته ومراميه في الفصلين السادس والسابع من الميثاق، اللذين يتناولان حالات الحفاظ على الأمن والسلام العالميين. والعضوية الجديدة في الهيئة العامة تحدث عنها ميثاق الأمم المتحدة قبل أن يذكر أي شيء عن حق النقض.

من وجهة نظر عدد كبير من أساتذة القانون الدولي؛ فإن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 10 مايو/ أيار 2024 هو بمثابة تأكيد قبول عضوية دولة فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة حسب الفقرة 2 من المادة 4 التي تنص على أن قرار قبول العضوية يُتخذ في الجمعية العامة بناء على توصية مجلس الأمن. وبذلك يكون قرار للجمعية العامة نهائياً، وليس هناك حاجة لعرضه مرة أخرى على المجلس، لأن هذا المجلس قد صوت في 18 إبريل/ نيسان بأغلبية 12 عضواً فيه لمصلحة الموافقة على التوصية بقبول العضوية، وبالتالي فإن «الفيتو» الأمريكي في هذه الحالة مُنعدم الوجود من الناحية القانونية، لكونه اعترض على توصية، وليس على قرار، وهو موضوع اجرائي لا علاقة له بالأمن والسلم الدوليين.

إن قرار الجمعية العامة الأخير بموضوع عضوية دولة فلسطين في المنظمة حصل على موافقة 143 دولة، وهي أغلبية ساحقة، تمثل الإرادة الدولية، ما سيجعل عرض مشروع القرار مرة أخرى على مجلس الأمن كأنه تجاوز لهذه الإرادة الدولية، بما يتنافى مع أهم مبادئ هيئة الأمم المتحدة التي تحترم كل الدول وبشكل متساوٍ، بخاصة لأن عرض القرار على مجلس الأمن من جديد، ربما يُعرضه إلى نقض آخر قد ينتج بلبلة كبيرة، ويُعتبر إساءة عارمة للمجتمع الدولي، واستخدام تعسفي لحق النقض، وخروج عن المقاصد التي ولدت من أجلها الهيئة.

وإذا كان المبدأ القانوني العام المتوارث على مرّ التاريخ، يؤكد أنه «عند وجود نص واضح تنتفي الاجتهادات»، وهو واضح في هذا السياق، لكون قرار قبول عضوية الدول ينص عليه الفصل الثاني من ميثاق الأمم المتحدة. وعليه، فهو لا يتعلق بصلاحيات مجلس الأمن في الفصلين السادس والسابع في حل النزاعات الدولية وحفظ السلم والأمن الدوليين، حيث ذكر حق النقض فيهما دون غيرهما من الفصول. إن قبول نتائج «الفيتو» الأمريكي ضد مشروع القرار الذي قدمته الجزائر في 18 إبريل/ نيسان 2024 يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة ويتعارض مع مقاصد المنظمة. فالمادة الثانية (الفقرة الأولى) من ميثاق الأمم المتحدة تنص على أن «الأمم المتحدة تقوم على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها».

والهدف من منح حق النقض للدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن هو حماية الأمن والسلم الدولي، وليس عرقلة عمل هيئة الأمم المتحدة. إن الفقرة الثانية من المادة 27 تسمح بصدور قرارات عن مجلس الأمن في المسائل الإجرائية، بموافقة تسعة من أعضائه. إن التوصية بقبول عضوية دولة في الأمم المتحدة هو مسألة إجرائية تتعلق بالفصل الثاني من ميثاق الأمم المتحدة، وليست مسألة موضوعية كما جاء في الفصلين السادس أو السابع، من الميثاق، واللذين تحدثا عن وظائف وسلطات مجلس الأمن. والمادة 24 (الفقرة الثانية) التي تنص على أنه: «يجب على مجلس الأمن، عند أدائه هذه الواجبات، أن يعمل وفقاً لمقاصد الأمم المتحدة وليس ضدها، والسلطات الخاصة المعطاة للمجس هي لتمكينه من القيام بهذه الواجبات».

إن قبول فلسطين كدولة تتمتع بعضوية كاملة في الأمم المتحدة سيدفع عملية التسوية السلمية في المنطقة إلى الأمام، وسيعزّز مكانة هذه المنظمة، وسيسهم في إحقاق العدل في العالم، وقد يخفف من حدّة الانقسامات بين المجتمعات المختلفة، ويُعيد الثقة بالانتظام الدولي، بعد أن تعرَّض هذا الانتظام لتجاوزات لم يحصل مثلها حتى إبّان مرحلة الثنائية القطبية.

إعلان دولة فلسطين العضو 194 في الأمم المتحدة؛ سيشكل نصراً للحق وللسلام في العالم.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى