دولة التعاونيات والحاجة لـ «جز العشب»…
كتب عبدالله محمد العفاسي في صحيفة الراي.
أعلن رئيس اتحاد الجمعيات التعاونية عبدالوهاب الفارس، أول من أمس، استقالته من رئاسة الاتحاد احتجاجاً على ما وصفه بـ«ممارسات وزارة الشؤون».
وبعيداً عن وجاهة الأسباب التي أعلن عنها الفارس من عدمه باعتبار أنها لاتزال محل بحث مع الطرفين ألقى الفارس باستقالته بحجر كبير في مياه التعاونيات الراكدة قانونياً ورقابياً.
وقد يكون مفيداً هنا الإشارة إلى حجم تعاملات القطاع التعاوني في الكويت التي تتجاوز مليار دينار، وهي قيمة تقارب 5 في المئة من إجمالي إيرادات الكويت بميزانية العام الجاري والمقدرة بـ 19.5 مليار دينار.
وتحمل هذه القيمة الضخمة مؤشراً مالياً قوياً على أهمية هذا القطاع ما يعكس الحاجة الملحة للتعامل معه وفقاً لقاعدة «جز العشب»، والتي توجب تأطيره بقوانين محدثة وإجراءات رقابية محددة تضمن حوكمته بمعايير أكثر شفافية.
واللافت، أنه رغم تقدم الكويت رقابياً في الإشراف على الشركات خصوصاً المدرجة في البورصة بقانون ومعايير واضحة تتبناها هيئة أسواق المال في تنظيم الرقابة على هذه الكيانات نجد في المقابل فجوة رقابية تزداد اتساعاً بقطاع الجمعيات التعاونية الذي تحول لدولة عميقة منفلتة من الرقابة اللصيقة الذي يستحقها وتستقيم مع مقدراته المالية ومسؤولياته المجتمعية في تحقيق استقرار أسعار السلع بالسوق المحلي.
ومن صور التقدم الرقابي بحوكمة الشركات المدرجة إلزامها رقابياً ومحاسبياً بقائمة محددة من مراقبي الحسابات المعتمدين، بما يضمن التدقيق على بياناتها المالية بشفافية كاملة من قبل مدققين معتمدين لاستيفائهم أعلى معايير سلامة التدقيق.
والفائدة المزدوجة من هذا التطبيق أنه يساعد الجهات الرقابية على سرعة اتخاذ الإجراءات العقابية مع الجهات المخالفة إذا اكتشفت أي مخالفة قبل استفحالها ومن ثم معالجة الخلل وتفاديه مستقبلاً.
في المقابل، لاتزال الجمعيات التعاونية ورغم أنها لا تقل أهمية مالية عن الشركات تراقب بعقلية المحاسب البسيط الذي قد يخلف تدقيقه على بيانات الجمعيات عمداً أو بحسن نية مخالفات مالية جسيمة في ميزانياتها يصعب اكتشافها في الوقت المناسب، خصوصاً في ظل ضعف المصدات الرقابية الحمائية التي تضمن نزاهة البيانات المالية المقدمة في بعض الميزانيات.
بالطبع هذا الحديث لا يعني التشكيك في نزاهة مسؤولي الجمعيات التعاونية لكن القوانين وجدت من أجل ضمان التطبيق السليم لا سيما في الشؤون المالية وتفادي أي شبهة تلاعبات.
اعتبار آخر يضعف الاطمئنان إلى سلامة نشاط التعاونيات في الكويت ويحد من دورها والذي يتعلق بتداخل الصلاحيات بين مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية رغم أن المشرع في قانون الشركات انتبه لخطورة هذا التداخل وأقر الفصل بينهما لضمان الحوكمة والشفافية في الشركات.
لكن للأسف أيضاً لاتزال الجمعيات متداخلة بين سلطاتها ما يضعف جهود الرقابة الصحية عليها وتطبيق الحوكمة الفاعلة في كياناتها بالمعدل الذي يستقيم مع إمكانات القطاع التعاوني والدور المأمول منه.
الخلاصة:
بين الفينة والأخرى، نسمع عن اختلاسات وعجوزات مالية في جمعيات تعاونية وشبهات رشاوى لبعض المسؤولين.
وفي الطرف الرقابي تتخذ وزارة الشؤون كل فترة قرارات حل مجالس إدارات فيما تتنامى الأحاديث هنا وهناك عن تنفيعات لمسؤولي الجمعيات وآخرها تصريح رئيس الاتحاد قبل استقالته عن عرف رائج في التعاونيات يضمن حصول رئيس الجمعية على نسبة من مبيعات الخضراوات لحسابه.
وحسب تصريحاته، عندما تولى رئاسة الجمعية عرض عليه شخصياً الاستفادة من هذا العرف بنسبة استقطاع لحسابه تبلغ 6 في المئة لكنه رفض لأنه وجد في ذلك مخالفة صريحة لدوره ومسؤولياته وقناعاته.
وبالطبع جهود الوزارة وشرفاء التعاونيات لمكافحة الفساد غير مدعومة بقوانين وإجراءات واضحة تردع المخالفين ما يبرر استمرار الممارسات المخالفة حتى الآن خصوصاً أنه غالباً ما يحصل المتهمون على براءات من القضاء لضعف الأدلة.
واستجابة حتمية لهذا الواقع يتعين إعادة النظر في منظومة التعاونيات في الكويت تشريعياً ورقابياً بما يسمح بتحقيق المستهدف منها وتعظيم أصولها ودورها المجتمعي الذي أسست من أجله بمعايير حوكمة متطورة وواضحة.
أما إذا استمر الحال على ما هو عليه فلا يتعين أن نستغرب من تآكل هذا القطاع رويداً رويداً.