كتبت جوزفين ديب في “أساس”:
متوتّرة هي الأجواء السياسية التي يدخل بها لبنان أسبوعه المقبل. تصعيد في كلّ مكان. فبعد قرار قاضي التحقيق العدلي القاضي طارق البيطار بالتوقيف الفوريّ للنائب علي حسن خليل، ارتفعت حدّة خطاب الثنائي الشيعي على شكل تسريبات صحافية تحدّثت عن الذهاب إلى آخر الدواء الكيّ إذا استمرّ القاضي البيطار بإصدار قرارات مماثلة بغياب “أيّ معالجة سياسية له”. غير أنّ مصادر الثنائي نفت لـ”أساس” “أيّ تهديد يصدر عنها على شكل تسريبات صحافية”، لكنّها تؤكّد على تصعيد خطابها السياسي عن “سبع البورومبو”، أي القاضي البيطار، كما وصفه وزير الثقافة محمد مرتضى الذي يعبّر خير تعبير عن موقف الثنائي من رفض التحقيق العدلي أوّلاً، ورفض العودة إلى مجلس الوزراء من دون معالجة مسألة البيطار ثانياً.
التصعيد في موقف الثنائي هذا لا يمكن أن يذهب أبعد من “ترجمته سياسياً وتحويله إلى اعتراض في الشارع”. فمشهد الطيّونة وعين الرمّانة لم يُنسَ بعد، وبالتالي يمكن لأيّ خطوة اعتراضية خارجة عن الأطر السياسية أن تتحوّل إلى ما لا يُمكن احتواؤه مطلقاً. وعليه يدرس الثنائي خطواته الاعتراضية جيّداً لئلّا تنقلب عليه في المشهد العامّ، تماماً كما حدث بعد مشهد الطيّونة وعين الرمّانة.
في مقابل عودة البيطار إلى العمل بقرارات متقدّمة، شارك النائب علي حسن خليل في حفل استقبال دعت إليه السفارة العراقية، ولفت فيه حضور وزير العدل هنري خوري الذي بينه وبين خليل تباينات عميقة في مسألة التحقيق العدلي وكيفيّة معالجة الأزمة الناتجة عنه. ففيما يتمسّك خوري، ومن خلفه فريق رئيس الجمهورية، بخيار الذهاب إلى تشكيل هيئة اتّهامية للنظر في قرارات المحقّق العدلي لضمان معالجة “قضائية” لقرارات البيطار، تشير المعلومات إلى أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي يرفض رفضاً قاطعاً هذا الخيار، ويعتبر أنّ أيّ حلّ لقرارات البيطار يجب أن ينطلق من مجلس النواب حيث يُحوَّل ملف التحقيق إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بعد تفعيله بحسب النص الدستوري.
من جهة أخرى، لا يبدو برّي متهاوناً ولا متعاوناً ولا موافقاً على الطعن الذي قدّمه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل للمطالبة بتكريس ستّة مقاعد للنواب المغتربين. فقد سبق لبرّي أن كان حاسماً في اجتماع هيئة المجلس، الذي عُقِد قبل الجلسة العامّة الأسبوع الماضي، إذ قال إنّ تكريس ستّة مقاعد لنواب الاغتراب هو أمر غير دستوري. مع العلم أنه جزء من قانون الانتخاب الذي أقرّ في مجلس النواب في العام 2011.
وسط هذا المشهد الذي لا يوحي بأيّ تسويات ممكنة، لم يتسلّم بعد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان مذكّرة من القضاء تؤكّد إصرار المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار على التوقيف الفوري للنائب علي حسن خليل، وذلك خلافاً لِما تردّد، لا بل لا تزال المذكّرة لدى النيابة العامّة التمييزية التي تدرس قانونيّتها لناحية مخالفة الدستور .
على خطٍ موازٍ، تؤكّد المصادر المواكبة للشأن الحكومي أنّ المساعي مستمرّة لإقناع الثنائي الشيعي بالتوافق مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على مخرج للأزمة، مع تمسّك ميقاتي بعدم الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء قبل ذلك، والاكتفاء بالاجتماعات الوزارية مع الوزراء المعنيّين بالملفّات الحيوية.
وكان الموقع المقرّب من ميقاتي “ليبانون 24” قد نشر يوم السبت مقالاً بعنوان: “أيّها المنتفخ بالغرور والشرور كفّ يدك عن الرئيسين واتركهما يعالجا قضايا الوطن”. في المقال نفيٌ لكلّ الكلام الذي ملأ الصحف خلال الأسبوع المنصرم عن سوء العلاقة بين عون وميقاتي. وفي المقال أيضاً تحميل مسؤولية تسريب هذا الكلام لـ”جنّ الكهف” الذي يسعى إلى الشقاق بين الرئيسين من أجل دفع ميقاتي إلى الدعوة إلى جلسة حكومية. فُهِم من كلام المقال أنّه يقصد النائب جبران باسيل، فيما تشير مصادر التيار الوطني الحر إلى أنّ موقف باسيل واضح، ولا يختبئ خلف تسريبات صحافية. فهو سبق أن حثّ ميقاتي أكثر من عشر مرّات على الدعوة إلى جلسة حكومية “بمَن حضر”، وليتحمّل الجميع مسؤولية حضوره أو غيابه عن الجلسة.
في مقابل هذا الكلام، وصفت مصادر ميقاتي الاجتماع الأخير مع رئيس الجمهورية بالإيجابي الهادف إلى معالجة الملفّات الاقتصادية، وأنّه تميّز بالتقائهما على ضرورة معالجة الملف القضائي في القضاء واحترام مبدأ فصل السلطات.
مطلع الأسبوع المقبل لن يكون مزدحماً فقط بالتصعيد السياسي على خلفيّة قرارات القاضي البيطار، بل سيكون على موعد مع زيارة سيقوم بها يوم الإثنين الموفد الفرنسي المكلّف تنسيق المساعدات الدولية في لبنان بيار دوكان، الذي سيعقد لقاءات مع كبار المسؤولين وعدد من الوزراء المعنيّين للاطّلاع على مصير خطة التعافي ومسار الإصلاحات، ومن بينها قانون الكابيتال كونترول الذي أثارت صيغته الجديدة، التي وضعها النائب نقولا نحاس، اعتراضاً لدى فريق واسع من اللبنانيين .