دور تركيا في أسواق النفط والغاز
كتب أنس بن فيصل الحجي في صحيفة إندبندنت عربية.
واردات تركيا من النفط الروسي ترتفع إلى مستويات قياسية، وتركيا تصدر النفط الخام والمنتجات النفطية إلى أوروبا، بينما يتدفق الغاز الروسي عبر أنبوب “ترك ستريم” في تركيا إلى دول أوروبية!
كمية النفط والغاز التي تنتجها تركيا ضئيلة جداً لدرجة أنها لا تذكر، ولكن برز دور تركيا الكبير في كونها حلقة وصل بين روسيا ووسط آسيا من جهة، وأوروبا من جهة أخرى، وأيضاً بين الشرق الأوسط من جهة، وأوروبا من جهة أخرى. وهنا أستعير تعبير المفكر جمال حمدان، رحمه الله، “جغرافية المكان” عن مصر، لوصف الدور التركي في أسواق الطاقة.
الدور التركي الحالي في أسواق الطاقة كان متوقعاً، إذ نشرت شركاتنا “إنيرجي أوتولك أدفايزرز” تقريراً في 2022 بالإنكليزية تكلمنا فيه بالتفصيل عن الدور التركي القادم في ظل الحرب في أوكرانيا، والعقوبات على روسيا، والتعاون التركي – الروسي، ولقاء أردوغان وبوتين لبحث فكرة تحويل تركيا إلى مركز لتجارة الغاز في أوروبا.
تشير بيانات شركة “كبلر”، وهي شركة تتابع حركة السفن حول العالم، إلى زيادة واردات تركيا من النفط الروسي بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، كما تشير إلى زيادة كبيرة بعد إقرار العقوبات من مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي على النفط الروسي. كانت واردات تركيا من النفط الروسي بحدود 300 ألف برميل يومياً قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا. هذه الواردات قاربت مليون برميل يومياً في الشهر الماضي. وبالنظر إلى واردات تركيا من النفط عبر الموانئ البحرية، نجد أنها استوردت النفط والمنتجات النفطية من العراق ومصر والهند واليونان. الواردات من العراق لا تشمل الأنابيب البرية، هذه الواردات المذكورة كمياتها عبر البحر. الواردات من مصر قد تكون غالباً من السعودية أو دول خليجية صدرت إلى ميناء عين السخنة بالقرب من قناة السويس، ثم نقلت عبر أنبوب سوميد إلى ميناء سيدي كرير بالقرب من الإسكندرية على البحر المتوسط، الواردات من الهند واليونان هي منتجات نفطية.
وبالنظر إلى صادرات تركيا من النفط بحراً، وهنا نذكر القارئ بأن إنتاج تركيا من النفط والغاز بسيط لا يذكر، ومن ثم فإن أي “تصدير” هو في الحقيقة إعادة تصدير، نجد أن كمية الصادرات البحرية قريبة من كمية الواردات البحرية، ولكن هناك فروقاً كبيرة لأن أغلب الصادرات من النفط الخام قادم عبر أنبوب من أذربيجان براً إلى ميناء جيهان التركي.
تذهب أغلب صادرات النفط التركية إلى أوروبا حيث يذهب معظمه إلى إيطاليا، كما يصدر إلى دول أوروبية أخرى منها هولندا وفرنسا. بعض النفط الأذربيجاني الذي يصدر من ميناء جيهان التركي، يذهب إلى إسرائيل. وهذا أحد أسباب كتابة هذه المقالة: يتعرض الرئيس أردوغان لضغوط من مجموعات مختلفة لوقف صادرات النفط إلى إسرائيل. وعلى رغم العلاقات القوية بين أذربيجان وإسرائيل، أعلنت أذربيجان قبل أيام أنها لا تصدر مباشرة إلى إسرائيل، مشيرة إلى أنها تبيعه للبيوت التجارية وبيوت التجارة تبيعه لإسرائيل. النقطة الرئيسة هنا هي أن كلا الحكومتين تتعرض لضغوط لوقف صادرات النفط إلى إسرائيل.
ذكرت أعلاه أن أغلب صادرات تركيا من النفط الخام تأتي من أذربيجان عبر أنبوب يمتد من باكو في أذربيجان إلى ميناء جيهان، مروراً بمدينة تبليسي في جورجيا، ولكن هناك كمية من النفط الخام تأتي من روسيا لتركيا. هذا النفط إما يعاد تصديره كما هو، أو يكرره في المصافي التركية ثم يباع على شكل منتجات نفطية إلى الدول الأوروبية وغيرها. وبهذا فإن تركيا تلعب الدور نفسه الذي تقوم به الهند والصين: استيراد النفط الروسي ثم بيعه للأوروبيين والأميركيين بشكل أو بآخر.
ويذكر أن تركيا تصدر نحو 600 ألف برميل يومياً من النفط الأذربيجاني من ميناء جيهان، وكانت تصدر نحو 400 إلى 450 ألف من النفط العراقي (شمال العراق وإقيلم كردستان) عبر أنبوب يمتد إلى ميناء جيهان أيضاً. إلا أن الضخ في الأنبوب توقف منذ شهر مارس (آذار) من العام الماضي، ولم يشغل حتى الآن لأسباب سياسية ومالية.
يمتد أنبوب “ترك ستريم” من روسيا إلى بعض الدول الأوروبية عبر تركيا، ومع ازدياد احتمالية عدم تجديد أوكرانيا لعقد أنبوب الغاز المار بأوكرانيا إلى أوروبا الذي ينتهي بنهاية العام، زاد اعتماد شركة “غازبروم” الروسية على خط “ترك ستريم”، إذ ارتفع إجمالي صادرات “غازبروم” من الغاز عبر خط أنابيب “ترك ستريم” في الشهر الماضي إلى 1,367 مليون متر مكعب من 1,160 مليون متر مكعب في شهر أبريل (نيسان). هذا الرقم أعلى بكثير مما كان عليه في مايو (أيار) من العام الماضي عندما بلغ إجمالي الشحنات 750 مليون متر مكعب فقط. ويذهب أغلب الغاز إلى المجر وصربيا، اللتين حافظتا على علاقات دبلوماسية قوية مع موسكو. في سبتمبر (أيلول) 2021 وقعت المجر عقداً مدته 15 عاماً مع شركة “غازبروم” لاستيراد 4.5 مليار متر مكعب سنوياً. وقبل الهجوم على أوكرانيا، كان الغاز المار بخط “ترك ستريم” يذهب إلى مقدونيا الشمالية واليونان ورومانيا والبوسنة والهرسك.
وهناك محادثات بين تركيا وروسيا لجعل تركيا مركزاً لتجارة الغاز في أوروبا، ولكن ليس هناك أي تطورات جديدة بهذا الشأن.
لماذا هذا الاهتمام بتركيا؟
تركيا تحاول التمدد في منطقة البحر المتوسط وأفريقيا، ووجودها الأفريقي في توسع مستمر، وعلى رغم أن تركيا تنتج كميات ضئيلة من النفط والغاز، إلا أن دورها الإقليمي في مجال النفط والغاز كبير، كونها دولة ناقلة للنفط والغاز سواء عبر الأنابيب أم النقل البحري، وتربط بين روسيا ووسط آسيا من جهة، وبين أوروبا من جهة أخرى. وإذا أعيد الضخ في أنبوب النفط من شمال العراق، فهي تربط بين الشرق الأوسط وأوروبا. ولنتذكر أن هناك خط الغاز العربي الذي يمتد من منطقة الدلتا في مصر إلى الحدود السورية – التركية عبر الأردن وسوريا. والفكرة الأصلية أن يصدر الغاز العربي إلى أوروبا عبر تركيا. المشروع توقف، ربما بضغوط روسية، بخاصة عندما فكرت قطر وإيران بتمديد خط من الخليج ليتصل بهذا الخط في مدينة حمص السورية في منتصف سوريا، والمخطط أن ينقل الغاز الإيراني عبر أنبوب تموله قطر.
وسبب التركيز على موضوع اليوم أمرين:
1- تزايد الضغوط على الحكومتين التركية والأذربيجانية لوقف تصدير النفط إلى إسرائيل، سيكون لذلك أثر كبير في الاقتصاد الإسرائيلي، ولكن أثره في أسواق النفط العالمية محدود، إن وجد. ويتوقع أن يصل النفط إلى إسرائيل عبر طرق مختلفة عبر السفن التي تطفئ أجهزة التتبع.
2- في حال فوز الرئيس بايدن بفترة ثانية، فإنه يتوقع أن يضغط على تركيا لوقف إعادة تصدير النفط الروسي. سيكون لذلك إثر في بعض الدول الأوروبية، ولكن يبقى أثراً بسيطاً، وسيكون لروسيا بدائل أخرى. ولنتذكر أن بايدن لا يريد أن يرفع أسعار النفط قبل الانتخابات، لذلك لم يضغط على تركيا في الأشهر الماضية.