دوافع اقتصادية وراء اعتراف فرنسا بمخطط المغرب للصحراء
تبدو الدوافع الاقتصادية حاضرة في قراءة المراقبين لدعم فرنسا مخطط المغرب بخصوص الحكم الذاتي في الصحراء، حيث اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكون المخطط بأنه “الأساس الوحيد” للتوصل إلى تسوية للنزاع.
وفي رسالة بعث بها الرئيس الفرنسي إلى العاهل المغربي محمد السادس نهاية يوليو/تموز الماضي، قال ماكرون: “دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت”، مضيفاً أن هذا المخطط “يشكل، من الآن فصاعداً، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي عادل مستدام ومتفاوض بشأنه طبقاً لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.
يقول رئيس المعهد المغربي للعلاقات الدولية، جواد الكردودي، لـ”العربي الجديد” إن فرنسا تتعامل مع الأمر من منطلق المصلحة، إذ ترى فرصاً واعدة في المغرب الذي ينخرط في مسار تنويع اقتصاده، وهو ما يثير اهتمام المستثمرين الفرنسيين. ويشير الكردودي إلى أن المستثمرين الفرنسيين، أسوة بنظرائهم من بلدان أخرى، يبدون اهتماماً مهماً بالمشاريع التي سيطلقها المغرب في سياق الإعداد لمنافسات مونديال كأس العالم 2030 بالمشاركة مع إسبانيا والبرتغال، حيث تتعلق هذه المشاريع بالطرق والفنادق والملاعب وتوسيع المطارات.
وتعد فرنسا أول مستثمر أجنبي في المغرب. وقد وصل رصيد الاستثمارات الفرنسية المباشرة في المملكة إلى 8.1 مليارات يورو (8.82 مليارات دولار) في عام 2022، غير أن رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب شكيب لعلج، كان قد اعتبر في المنتدى الاقتصادي المغربي الفرنسي قبل أربعة أشهر، أنه يمكن إنجاز استثمارات أكثر، داعياً إلى إرساء قواعد جديدة للعلاقة الاقتصادية المغربية الفرنسية.
ويحتضن المغرب أهم الشركات الفرنسية الكبيرة ونحو 1300 فرع لشركات ذلك البلد الأوروبي، حيث تعد المملكة أول وجهة للاستثمارات الفرنسية في أفريقيا بنسبة 20% من مجموع الاستثمارات في القارة السمراء، علما أن تلك الشركات تنشط خصوصاً في قطاعات الاتصالات والسيارات والطاقات المتجددة.
ولم تتجاوز الاستثمارات المغربية في فرنسا 1.8 مليار دولار، وهو ما يدفع المسؤولين المغاربة إلى الدخول في شراكات تنصب خصوصاً على تطوير الطاقات المتجددة، والنقل المستدام المراعي للمعايير البيئية التي تفضي إلى تقليص البصمة الكربونية.
وفي السياق قالت الباحثة في فرنسا في العلوم السياسية والمتخصصة في شؤون المنطقة المغاربية، خديجة محسن فنان، لصحيفة ليبراسيون الفرنسية أخيراً، إن “فرنسا اعتبرت أرباحها التي ستجنيها من التقارب مع المغرب أكثر من تلك التي ستجنيها من علاقتها مع الجزائر”.
وأوضحت أن المبادلات التجارية بين الرباط وباريس، وصلت إلى 14 مليار دولار في العام الماضي، أي ضعف المستوى الذي بلغته في 2015، مشيرة إلى أن المملكة تبقى الشريك التجاري الأول لفرنسا في القارة الأفريقية. كما رأى الدبلوماسي كزافيي دريانكور سفير فرنسا الأسبق في الجزائر، أن الشركات الفرنسية تحظى بفرص ومصالح أكبر في المغرب، لا سيما ما يتعلق بمشروعات تنظيم كأس العالم.
ويعمل المغرب على تسويق الفرص التي يتيحها للمستثمرين، بعد بلورة ميثاق للاستثمار العام الماضي، يتضمن تحفيزات للمستثمرين المحليين والأجانب، مع استهداف استثمارات بقيمة 55 مليار دولار، ما سيساعد على توفير 550 ألف فرصة عمل بحلول العام 2026.
كما يكرس البلد الواقع في شمال القارة السمراء نفسه معبراً لسوق تضم 450 مليون مستهلك في غرب أفريقيا، وأكثر من مليار مستهلك في القارة، وهو ما يستدعي، وفق تصور مسؤولين مغاربة، ربط شراكات بين القطاع الخاص المغربي والقطاع الخاص في بلد مثل فرنسا.
ويرنو الفرنسيون إلى الحصول على حصة في المشاريع التي انخرط فيها المغرب، وتثير اهتمام دول أخرى، علماً أن المملكة تسعى إلى تنويع مصادر جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، عبر تدابير تحفيز يؤطرها ميثاق الاستثمار.
وعبر وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير في إبريل/نيسان الماضي، بمناسبة انعقاد المنتدى الاقتصادي المغربي الفرنسي في المغرب، عن الرغبة في إنجاز استثمارات جديدة مع المغرب، خاصة في مجال الطاقة المنزوعة الكربون، والطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين، كما عبر عن تطلع بلاده إلى المساهمة في الجانب الاقتصادي للاستعدادات لمنافسات كأس العالم لكرة القدم التي يُنتظر أن يحتضنها المغرب بمعية إسبانيا والبرتغال.
ويشير مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، باسكال بونيفاس، في معرض تعليقه على القرار الفرنسي بالاعتراف بمخطط المغرب بشأن الحكم الذاتي في الصحراء، إلى أن المجموعات الاقتصادية الكبيرة في فرنسا، أُبلغت من قبل المستشار الدبلوماسي للرئيس إيمانويل ماكرون، بهذا التحول في الموقف حيال الصحراء، حيث جرى القبول بإمكانية إنجازها استثمارات في الأقاليم الجنوبية الصحراوية، مشدداً على أن هذا الموقف الجديد له أبعاد اقتصادية قوية.
وكان رئيس منظمة رجال الأعمال الفرنسيين، باتريك مارتان، أشاد بالترخيص الفرنسي الذي حظي به المانحون الفرنسيون لدعم المشاريع الاستراتيجية في الأقاليم الجنوبية، مؤكداً أن القطاع الخاص عاقد العزم على المساهمة في تلك المشاريع.