
حسين زلغوط
خاص_ رأي سياسي
ما من شك ان البلاد دخلت مرحلة من الضياع لم يسبق ان دخلتها من قبل، بالرغم من قساوة الازمات التي عصفت فيها في اعوام سابقة، ومرد ذلك الى الانشطار السياسي الداخلي المترافق مع توترات اقليمية ودولية تضع المنطقة برمتها على كف عفريت.
ان اي مراقب للنبرات الخطابية وفحوى الكلام الذي قيل في الساعات الماضية يدرك ان لبنان دخل في سباق محموم بين الانفراج والانفجار ، وان هذين العاملين ما زالا الى الآن يسيران في خطين متوازنين ، فاذا جنحت القوى السياسية الى لغة العقل والحوار يكون لبنان قد استطاع الافلات من فم التنين، واذا بقي الحال على هذا النحو من المكابرة والكيد السياسي فان البلد سيصل حتما الى قعر البئر من دون اي منازع.
ان ثمة من يقول ان ما يجري على الساحة الداخلية هو اشبه بالمخاض العسير الذي يسبق الحلول، وان المواقف المتشنجة ناجمة اما عن جهل لواقع الامور في المنطقة، واما عن ادراك بأن الحل اقترب وهم يريدون رفع سقف الخطاب علّ ذلك يعزز مكاسبهم السياسية، غير ان هذا لا يلغي الواقع الذي يقول ان لبنان وصل الى حافة الحل للأزمة الرئاسية ، وان العالم الخارجي بات مقتنعا بضرورة خروج لبنان من النفق الموجود فيه ، غير ان العقدة الاساسية تكمن في اللبنانيين انفسهم الذين ما زالوا غير مدركين لمخاطر ما هم عليه من انقسام يكاد يهدم الهيكل على رؤوس الجميع.
من هنا فان الدعوة الثالثة للحوار من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري يعّول عليها لكي تكون ثابتة في ما خص انتخاب رئيس ، وفي هذا السياق يؤكد محيطون برئيس المجلس ان الدعوة التي اطلقها في مهرجان تغييب الامام السيد موسى الصدر ليست التفافا على مبادرة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان كما يزعم البعض، بل هي رافدة ومساعدة لهذه المبادرة ، فالرئيس بري نزع بشكل الدعوة التي وجهها اي ذريعة من يد الذين رفضوا الدعوات السابقة للحوار ، عندما مزج بين الموقفين اللذين يتحكمان بالساحة السياسية ، فهو حدد مدة زمنية للحوار من جهة، واكد الذهاب من بعده الى الدعوة لجلسات متتالية لانتخاب رئيس ، لإدراكه ان تلبية دعوة المعارضة للجلسات المتتالية من دون ان يسبق ذلك حوارا بين الافرقاء السياسيين لن يوصل الى نتيجة ، كون أن النصاب اذا تأمن في الجولة الاولى ، سيكون متعذرا في الجولة الثانية على غرار الجلسات السابقة ونبقى في الدوامة ذاتها لسنوات، ويبقى الشغور الرئاسي مستوطنا في قصر بعبدا الى ما شاء الله.
ويعتبر المحيطون بالرئيس بري ان بعض من هو في المعارضة أحرج من الشكل الجديد الذي طرح وان هؤلاء تسرعوا في اطلاق النار مجددا على مبادرة الحوار ، وأظهروا انفسهم في مظهر المعيق لأية حلول لغايات غير مفهومة انما هؤلاء يتعاطون مع الشأن الرئاسي على قاعدة المثل القائل “عنزة ولو طارت” ، مشددين على ان رئيس المجلس يراقب وان بحذر ردود الفعل لكنه متيقين بأن غالبية القوى الممثلة بالبرلمان ينحازون الى جانب الحوار وان حوالي 90 نائبا هم يؤيدون الحوار ومن بينهم نواب تكتل “لبنان القوي” وتكتل “اللقاء الديموقراطي”، لأن الدعوة الجديدة للحوار خلقت واقعا مختلفا عما كان موجودا في الاشهر المنصرمة.
ويجزم هؤلاء بان الرئيس بري لم يفتح الموضوع الرئاسي بالمباشر لا مع وزير خارجية ايران حسين أمير عبد أللهيان ولا مع مستشار الرئيس الاميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي عاموس هوكشتاين ، فعلى المستوى الايراني فان وزير الخارجية يرى ان “حزب الله” “بيكفي وبيوفي” في هذا الموضوع، اما على مستوى هوكشتاين فمهمته جاءت تحت عنوان الحدود والاستقرار، وبلاده ممثلة باللجنة الخماسية الخاصة بلبنان، ولذلك فانه لا لا معنى لبحث الاستحقاق الرئاسي معه .
وعندما يسأل هؤلاء عن الحوار بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” يسارعون الى القول بان هذا الحوار يريح رئيس المجلس لأنه بالتأكيد سيصب في نهاية الامر في خانة الحل للأزمة الرئاسية ، وان الرئيس بري يرحب باي نوع من الحوار لأنه يبقى افضل بكثير من سياسة الابواب المغلقة التي على ما يبدو يعشقها البعض من السياسيين الذين لا يروق لهم الاستقرار في البلد ويحنون دائما الى سلوك الطرق المؤدية للحرب.
ويبقى السؤال هل ينجح الحوار في خلق المناخ الملائم لانتخاب رئيس، سيما وان هناك من يقول ان المسؤولين السعوديين ابلغوا وزير خارجية ايران عدم معارضتهم من وصول سليمان فرنجية الى قصر بعبدا؟