حسين زلغوط
خاص رأي سياسي
عكس المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده “مثلث الاجرام” الاسرائيلي المتمثل برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، وأحد اركان مجلس الحرب أو حكومه الطوارئ بيني غانتس مدى الإرتباك الذي يعيشه الداخل الإسرائيلي نتيجة عملية “طوفان الاقصى”، حيث حاول كل واحد من الثلاثة إظهار نفسه بمظهر المستميت في سبيل بقاء الكيان الاسرائيلي بعد ان تلاقى “الثلاثي” تحت عنوان واحد بأن الحرب على غزة هي حرب حياة أو موت.
وقد حاولوا ايضا تهدئة خاطر اهالي الأسرى والمفقودين الاسرائيليين الذين باتوا يشكلون قوة ضغط من شأنها ان تزيد من حالة الإنشطار الموجود داخل حكومة نتنياهو الذي وإن أكد بضرورة اجراء تحقيق حول إخفاق القوى العسكرية والمخابراتية في التصدي لعملية “طوفان الاقصى”، انما رحل ذلك إلى ان تضع الحرب اوزارها رامياً بالكرة في ملعب الآخرين محاولا تبرئة ساحته، لكن من دون جدوى، كما ان نتنياهو الذي اعترف بمدى القلق الذي ينتابه من جراء هذه الحرب على وجود اسرائيل مستجدياً بذلك استعطاف العالم والظهور بمظهر انه رأس الحربة في مواجهة ما يسميه الارهاب، لعل العالم الغربي يتعامل مع اسرائيل بنفس التعامل مع اوكرانيا في مواجهة روسيا لجهة الدعم المالي والعسكري، حرص على محاولة دحض مقولة الانقسام الداخلي وفي دلالة واضحة على ذلك ذهابه بعد المؤتمر الصحافي الى ناحية غانتس ومصافحته بحرارة.
هذا المؤتمر بالطبع كان لرفع معنويات الجنود الاسرائيليين المنهارة من ناحية وتكملة للحرب الدعائية والنفسية التي بدأتها اسرائيل منذ اللحظة الأولى التي انطلقت فيها عملية “طوفان الاقصى” حيث تجندت كل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لإبراز بأن “حماس” هي المعتدية وأن اسرائيل هي المعتدى عليها، كما جندت اسرائيل “جيشاً الكترونياً” واسعاً أبدع في خلق الأكاذبب وتركيب الفيديوهات وهو ما حمل الكثيرين في الغرب والعالم الى التعاطف مع بداية الحرب مع الاسرائيليين لكن حجم هذا التعاطف سرعان ما بدأ بالتراجع بعد أن تكشفت الحقائق وتكشف كذب الدعاية الاسرائيلية، وفي المقابل بدأ العالم يشاهد حجم الدمار والمجازر بحق المدنيين نتيجة القصف غير المسبوق لقطاع غزة من الجو، والبحر، والبر، وفي دلالة واضحة بأن اسرائيل خسرت الكثير من حجم التأييد لها، هو الاعتصامات والمظاهرات التي عمت العالم من جنسيات متعددة وفي دول كثيرة مطالبة بوقف هذه الحرب ونصرة للشعب الفلسطيني.
وفي فرنسا على سبيل المثال فإن الرأي العام الفرنسي بدأ يرى الصورة كما هي وبدأ ذلك يظهر من خلال المقابلات الصحفية والمقالات التي تُنشر في العديد من الصحف، حيث إنقلب المشهد، فبعد ان كان الشارع الفرنسي يرى أن “حماس” منظمة إرهابية وأن اسرائيل معتدياً عليها، فان هذا الشارع بدأ يفرق بين الحرب على حركة حماس، وبين لجوء اسرائيل الى القصف المدمر غير المسبوق للأحياء السكنية حيث محي البعض منها عن الخارطة مخلفاً الآلاف من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين الذين غالبيتهم من اطفال ونساء.
وعلى الرغم من الغرامات التي فرضتها الحكومة الفرنسية على اي متظاهر لنصرة الشعب الفلسطيني فإن الشارع الفرنسي لا يهدأ، حيث نزل الى أمس حوالي 4000 متظاهر وقد غرم 1359 منهم بمبلغ 135 يورو عن كل شخص، غير أن ذلك لم يقلل من حماسة المواطنين الفرنسيين في النزول الى الشارع والتعبير عن إدانتهم في قتل المدنيين الأبرياء وخصوصا النساء والأطفال وكذلك تهديم القطاع الصحي وقطع الإتصالات عن كل مناطق غزة. وعلى الرغم من وجود خبراء من الجيش الإسرائيلي يعملون على مدار الساعة للتأثير على وجهة النظر العالمية من خلال قلب الوقائع والحقائق، غير ان تأثير هذا العمل بدأ يتلاشى يوما بعد يوم، حيث ان الروايات الفلسطينية وما ينقل عبر وسائل الإعلام بدأت تكتسب التعاطف العالمي الى جانب القضية الفلسطيني.