دريان في ذكرى المولد النبوي.

وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة الى اللبنانيين بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف.
وأفتتحى الرسالة بأية قرأنية.
وأكمل عبد اللطيف: “أيها المسلمون, تحل علينا في شهر ربيع الأول من كل عام، ذكرى المولد النبوي الشريف، وهي ذكرى غالية وعزيزة على قلب وعقل كل مسلم، ويحتفي بها المسلمون، وتحوطها إشراقات الفرح والسعادة ، والبهجة والحبور ، بقدر ما يجل المسلمون نبيهم ، صلوات الله وسلامه عليه ، النبي الرسول، الذي بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وتركنا صلوات الله وسلامه عليه ، على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها، لا يضل عنها إلا هالك ، إلى يوم تشرق الأرض بنور ربها.”
وذكر دريان بصفات النبي: “نبي الإيمان والعدالة وإنسانية الإنسان ، ومسؤولياته في الاستخلاف والعمران والعمل الصالح . ولو تأملنا السور المكية الأولى، لوجدناها تقوم على ثلاثة أركان : الإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر، والعدالة والانتظام في أفكار الناس وأعمالهم ومعاملاتهم في المجتمعات.”
في ذكرى المولد النبوي الشريف ، نحن نقابل دعوة السلم والكرامة ، والأخلاق السامية ، أخلاق البر والقسط ، بالتزامها في ما بيننا ، ومع مواطنينا ، ومع كل الناس الذين لا يمارسون علينا الإكراه في أوطاننا، أو ديننا..
إن الأوضاع السائدة في وطننا منذ سنوات، لا تدل على أي التزام أخلاقي من أي نوع، من جانب كثير من المسؤولين السياسيين والإداريين . فالسياسيون لا يقومون خلال ما يقارب العام بمسؤوليتهم الأولى، في انتخاب رئيس للدولة ، ولا بمسؤولياتهم تجاه فراغ المؤسسات والمرافق وإفراغها، ولا بالتوقف عن تعطيل المسار القضائي في تفجير مرفأ بيروت. ويتهربون من مسؤولياتهم الكبرى عما وصلت إليه أوضاع المواطنين الاقتصادية والاجتماعية.
إن المبادرات الخارجية من الدول الشقيقة والصديقة ، لحل الأزمة اللبنانية ، هي عامل خير وحلحلة للعقد والعقبات . والإصرار والعزيمة لإنجاح أي مبادرة ، هو هدف أصحاب المبادرات ، بمساعيهم الطيبة، لن تذهب هدرا بإذن الله ، مهما واجهتهم عراقيل بعض السياسيين ، الذين يسعون إلى تحقيق مكاسب شخصية على حساب الشعب والوطن .
والحراك الداخلي هو الأساس في إنجاز الاستحقاق الرئاسي ، والحراك الخارجي هو عامل مساعد وداعم ، وهذا يعني أن على القوى السياسية والكتل النيابية ، أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية أمام الله والوطن والناس ، وينبغي على اللبنانيين التقاط الفرص التي تقدم لهم ، فالفرصة لا تعوض إذا لم نحسن التعامل معها ، على أساس مصلحة الوطن الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة ، والاستحقاق الرئاسي سيحصل ، مهما اشتدت العواصف ، كي نضع حدا لآلام اللبنانيين ، وكي يعود الدور الفاعل إلى الدولة ومؤسساتها ، فإنه لا تغيير في النظام اللبناني ، وسيبقى اتفاق الطائف الضامن للشراكة الإسلامية – المسيحية ، والعيش المشترك ، ولا مكان للطروحات التي تمزق الوطن وتفرق اللبنانيين في وطنهم لبنان ، بلد الوحدة والتنوع .
أيها المسلمون ، أيها اللبنانيون :
إن بناء وبقاء الدولة ، دولة الحق والقانون، الدولة القوية والعادلة ، التي تساوي بين الجميع ، وتؤاخي بين الجميع ، تحتاج إلى مصلحين وأصحاب اختصاص وكفاءة ، وقادة متبصرين ، يضعون مصلحة الناس فوق مصالحهم الخاصة ، ومصالح البلاد العليا ، والمصلحة العامة فوق طموحاتهم الشخصية ، فلتتنح السياسة عن الميدان ، لتخلي الساحات لأصحاب الكفاءة والاختصاص ، الذين لا تعنيهم السياسة إلا بمقدار ما تعني أنها تدبر شؤون الناس ، وتغني حياتهم ، وتحافظ على كراماتهم، وتعمر بلدهم.
تعب اللبنانيون من السياسة ، قضت السياسة مضاجعهم ، فرقتهم السياسة ومزقت صفوفهم ، أفقرتهم السياسة ، وهجرت أبناءهم وشردتهم .
آن الأوان للاستجابة لآلام الناس ومطالب الشعب الحياتية والاجتماعية والمعيشية ، آن الأوان ليستعيد الشعب ثقته بالدولة ومؤسساتها الدستورية والإدارية ، آن الأوان لاحترام مبادئ الديموقراطية وقيمها، ومعايير ممارسة الحكم الديمقراطي والبرلماني وقواعده، وفي مقدمته مبدأ الفصل بين السلطات ، والمساءلة والمحاسبة والحكم الرشيد .
أيها المسلمون ، أيها اللبنانيون :
لقد عاد الذين تعرفونهم جيدا لتخويفنا وتخويف اللبنانيين ، والحديث عن الإرهاب والدواعش ، ولا شيء من ذلك يصح أن يحدث أو أن يقال . نحن نثق بأنفسنا ، وببني قومنا، وبمواطنينا وبوطننا. ونريد أن يتوقف الإخوة الفلسطينيون عن قتل أنفسهم ، وأن يتوقف الإخوة السوريون عن مغادرة وطنهم إلى الضياع في لبنان وغير لبنان .
بمناسبة مولد النيي محمد ، صلوات الله وسلامه عليه ، رسول دعوة الهدى والنور والرحمة والمحبة والأخلاق والتسامح ، نسأل الله سبحانه وتعالى ، أن يضيء قلوبنا جميعا بنور المحبة والسكن والتسامح والسكينة ، وأن يوفقنا جميعا للعمل الخالص والمخلص ، من أجل سلام وسلامة واستقرار واطمئنان وطننا لبنان.
كل مولد نبوي مبارك وأنتم أيها المسلمون، وأيها اللبنانيون بخير”.