دخول الذكاء الاصطناعي على الطب النفسي يزيد مخاطر الانتحار.
بحسب الجمعية الأميركية للطب النفسي، فإن هناك أكثر من 10 آلاف تطبيق خاص بالصحة العقلية في متاجر التطبيقات معظمها غير موافق عليها، إذ تزايدت هذه التطبيقات في السنوات الأخيرة بهدف تلبية حاجات الناس المتزايدة في مجال الطب النفسي لتقدم حلولاً علاجية لهم بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
وعلى رغم الدور الجوهري الذي لعبه الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، وحتى في الطب النفسي في حالات معينة، لا يخلو استخدامه في مجال رعاية الصحة العقلية من المخاطر، وهذا ما يثير قلق المتخصصين في هذا المجال، لما قد يكون لذلك من نتائج خطيرة على سلامة المرضى.
انتحار بسبب روبوت
مع الانتشار السريع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتزايد استخدامها، يحذر المتخصصون من الاستخدام العشوائي لها، فمنذ أشهر قليلة أقدم رجل بلجيكي على الانتحار بعد أسابيع من المحادثات مع روبوت مدعوم بالذكاء الاصطناعي يدعى إليزا، وكان الرجل أظهر قلقاً متزايداً في شأن قضايا المناخ، وتبين في وقت لاحق أن الروبوت اتبع منهج تفكير الرجل القلق فغاص أكثر في مخاوفه. وعلى أثر متابعة الدردشات تبين أن الرجل شارك أفكاره الانتحارية ولم يحاول الروبوت ردعه.
وبحسب المتخصص في التحول الرقمي وأمن المعلومات رولان أبي نجم، تعكس حال الانتحار هذه قلة وعي وثقافة في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ يعتقد الناس عامة أنه يمكن اللجوء إلى تطبيقات مثل “تشات جي بي تي” و”بارد” وغيرهما بطريقة عشوائية لوجود كل المعلومات اللازمة فيها. وهي فكرة خطأ لا بد من تصحيحها. فهذه التطبيقات عبارة عن مجموعة كبرى من البيانات والخوارزميات التي يدخلها الإنسان ويتحكم فيها. والذكاء الاصطناعي كله يرتكز على البيانات، وما يقدمه يكون على أساس ما يدخله إليه الإنسان.
ويتابع “في الواقع، لا تزال جميع تقنيات الذكاء الاصطناعي طور التجربة، سواء في الطب النفسي أو في أي مجال آخر، ثمة حاجة ماسة إلى وضع ضوابط للاستفادة من ميزاتها وفاعليتها في الطب النفسي بشكل خاص، حيث يتحول برنامج الذكاء الاصطناعي إلى طبيب نفسي يجيب عن أسئلة المريض ويقدم له النصائح، لكنه لا يمكن أن يحل محل الطبيب الحقيقي الذي يتابع حال المريض ويعود إلى تاريخه الصحي، ويتناول حاله على حدة لمعالجتها بالشكل المناسب. إذ يعتمد الذكاء الاصطناعي على العموميات وهو ما لا يمكن أن ينجح في الطب النفسي أبداً”.
مخاطر وميزات
في مجال الصحة النفسية ثمة مدارس عدة يرتكز عليها الأطباء، ولكل منها طريقة مختلفة في التعاطي مع الحالات. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: أي مدرسة يستند إليها الذكاء الاصطناعي في التوصيات التي يعطيها؟
إن برامج الذكاء الاصطناعي مبرمجة بحسب المعلومات والبيانات التي تدخل إليها، لكنها تفتقد القدرة التحليلية ولا تستند إلى مرجع محدد. فكل ما نتعامل معه في الذكاء الاصطناعي يبقى في إطار “الذكاء الاصطناعي التوليدي” الذي تدخل إليه بيانات لخلق صورة أو فيديو أو محتوى، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها في مجال كالطب النفسي بطريقة عشوائية.
أما العمل على الذكاء الاصطناعي القادر على التحليل فلا يزال في مراحل مبكرة. والمشكلة الأساسية في أنها تقدم المعلومات والنصائح بطريقة مقنعة مما يزيد من خطورتها على المرضى، بصرف النظر عما إذا كان ما يقال صحيح أو لا.
يعتمد الطب النفسي بشكل أساس على الحوار والتواصل بين الطبيب والمريض. وهو مجال يصعب استخدام الذكاء الاصطناعي فيه من أجل العلاج بما أنه قد يعرض المرضى للخطر، وإن كان من الممكن اللجوء إليه في حالات معينة. كما يمكن وضع أطر تنظيمية حفاظاً على سلامة المرضى لدى الاستعانة به.
لا ينكر الطبيب النفسي وائل كرامة أن “للذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة في المساهمة بفهم أفضل للأمراض العقلية. وقد تتمتع تقنيات الذكاء الاصطناعي بقدرة على تطوير أدوات تشخيص ووضع نماذج لتحديد استعداد الفرد للإصابة بمرض عقلي. لكن استخدامات هذه التقنيات في الطب النفسي أقل بكثير مما هي عليه في مجالات طبية أخرى كطب العيون والأورام والأشعة. ففي هذه المجالات يمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في التشخيص وقراءة الفحوص والصور. ويختلف الوضع في الطب النفسي حيث يمكن الاعتماد عليه في إطار معين كما في حال اعتماد الروبوت المرافق لمسن من أجل تذكيره بتفاصيل معينة في نمط عيشه. وأظهرت الدراسات أن المسنين الذين يعيشون مع روبوت مرافق يتمتعون بجودة نوم أفضل، باعتبارهم أكثر نشاطاً في النهار وأكثر انتظاماً في الأعمال التي يقومون به. كما قد يساعد على الحد من التوتر والقلق لدى المسنين الذين يعيشون في عزلة، وأولئك الذين يعانون الخرف، وقد ابتكر روبوت سمي “Paro” أشبه بالحيوان الأليف، يشعر مريض داء ألزهايمر بالاطمئنان والهدوء ويخفف التوتر لديه”.
حياة على المحك
كما تم استخدم الذكاء الاصطناعي، بحسب كرامة، لتشخيص حالات الكآبة بدقة عالية تصل إلى نسبة 90 في المئة مع تقنية الـEEG، واستخدم الروبوت للأطفال المصابين بالتوحد لزيادة معدلات التفاعل والتعبير عن الذات لديهم عبر التحاور معه بإشراف الطبيب. كما استخدم الروبوت في الـChatBoard للتواصل مع المريض النفسي عبر تطبيقات معينة.
ويضيف كرامة “للمريض النفسي مشكلات واضطرابات متشابكة من النواحي كافة، مما يستدعي التعاطي مع كل حال على حدة، وهناك أدوية يجب أن توصف بطرق معينة بإشراف الطبيب، ويمكن للتعميم أن يؤدي إلى نتائج وخيمة على صحة المريض وسلامته. وحده الطبيب قادر على التعاطي مع هذه الحالات من خلال تعامله المستمر مع المريض ومعرفته بحيثيات الحالة وتطورها، فقد يخضع المريض النفسي لمراقبة الطبيب لسنوات عديدة، وقد يقدم على أفعال غير متوقعة كالانتحار. وفي مثل هذه الحالات يمكن للطبيب بناء على خبرته وبراعته أن يتوقع ذلك بحسب مؤشرات معينة وسلوكيات، وهذا ما يستدعي التحذير من التعامل مع هذه التطبيقات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، التي لا تحل محل الطبيب النفسي، ففي هذا المجال لا يمكن أن تكون حياة المريض على المحك.