دحض التوقعات السلبية في أسواق النفط

نشرت تقارير إعلامية عن زيادة الإنتاج 500 ألف برميل يومياً ووجود خلاف سعودي – روسي تبين لاحقاً أنها كاذبة
كتب أنس بن فيصل الحجي, في اندبندنت عربية:
على رغم الارتفاع الكبير في الصادرات النفطية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، لا تزال أقل من مستويات عامي 2017 و2018، علماً أن الطلب العالمي على النفط ارتفع بأكثر من 6 ملايين برميل يومياً منذ ذلك الوقت.
قررت مجموعة الثمانية في “أوبك+”، وهي المجموعة التي قامت بالخفض الطوعي، الأحد الماضي زيادة سقف الإنتاج بمقدار 137 ألف برميل يومياً لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وهي جزء من الخفض التي أقرتها المجموعة في أبريل (نيسان) 2023 ومقدارها 1.65 مليون برميل يومياً.
وكانت بعض وسائل الإعلام نشرت قبل الاجتماع أخباراً عن زيادة الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يومياً، وعن خلاف سعودي – روسي، وتبين لاحقاً أنها أخبار كاذبة، وبعد انتهاء الاجتماع الرسمي سأل وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان آل سعود نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك عما إذا كانت هناك مشاورات تتجاوز سياسة نوفمبر المقبل أو حجم الإنتاج البالغ 137 ألف برميل يومياً، فأكد نوفاك عدم إجراء أي محادثات من هذا القبيل، والسؤال والإجابة يؤكدان أن رواية وكالة “رويترز” عن الموضوع ملفقة.
أثر قرار زيادة سقف الإنتاج
ومعظم دول مجموعة الثماني عند أو قرب الحد الأقصى لطاقتها الإنتاجية ولا يمكنها زيادة الإنتاج إذا حافظت المجموعة على زياداتها الشهرية البالغة 137 ألف برميل يومياً، ومع نهاية نوفمبر المقبل ستكون هناك ثلاثة دول لا تستطيع زيادة الإنتاج بعد ذلك، وهي الجزائر وكازاخستان وروسيا، وهناك ثلاثة دول أخرى تقترب من طاقتها الإنتاجية القصوى وهي عُمان والعراق والكويت، وهذا يعني بقاء دولتين في المجموعة بطاقة إنتاجية فائضة هي السعودية والإمارات، ولكن مع إعادة الخفض لا يبقى إلى السعودية بطاقة إنتاجية فائضة تتجاوز مليوني برميل يومياً، ويذكر هنا أن كازاخستان تنتج بكامل طاقتها الإنتاجية تقريباً ولكنها تنتج بكميات أكبر من حصتها الإنتاجية.
إمدادات “أوبك+”
هناك فرق بين سقف الإنتاج أو الحصص الإنتاجية والإنتاج الفعلي، كما يختلف الإنتاج عن الإمدادات، وقرارات مجموعة الثماني تركز على سقف الإنتاج أو الحصص الإنتاجية، وقد توقع كثير من المحللين في أبريل الماضي انخفاض أسعار النفط إلى الثلاثينيات والأربعينيات بالدولار الأميركي، مع انتهاء “أوبك+” من الخفض الطوعي، إلا أن الأسعار لا تزال في منتصف الستينيات، فلماذا؟
لقد تجاهلوا الفروق المذكورة أعلاه حين لم يستطيعوا التفريق بين سقف الإنتاج والإنتاج الفعلي والإمدادات، واعتبروا أن زيادات سقف الإنتاج هي الإمدادات في الأسواق، فارتفعت صادرات “أوبك+” من النفط الخام بصورة ملاحظ في سبتمبر الماضي مع زيادة “مجموعة الثماني” للإنتاج والصادرات، بينما انخفض الطلب المحلي مع انتهاء لفصل الصيف وبدء عمليات الصيانة في المصافي، وعلى رغم هذه الزيادة فإنها محدودة مقارنة بالخفض المعلن والبالغ 2.2 مليون برميل يومياً، وعلى رغم الارتفاع الكبير في الصادرات خلال سبتمبر الماضي فإن الصادرات لا تزال أقل من مستويات عامي 2017 و2018، علماً أن الطلب العالمي على النفط ارتفع بأكثر من 6 ملايين برميل يومياً منذ ذلك الوقت.
وسلط كثير من المحللين والصحافيين الضوء على هذه الزيادة معتقدين أنها ستؤدي إلى ارتفاع كبير في المخزونات وانخفاض أسعار النفط، فما صحة هذه المعتقدات، علماً أنهم أغفلوا عوامل كثيرة سيجري سرد سبعة منها أدناه.
أولاً، عدوا جميع الزيادات المعلنة إضافات إلى الإمدادات، وهو أمر غير صحيح، فالزيادة المعلنة في سقف الإنتاج وصلت إلى 2.2 مليون برميل يومياً، ولكن ماوصل إلى الأسواق أقل من ذلك، فمثلاً منذ ديسمبر (كانون الأول) 2024 ارتفعت إمدادات “أوبك+” بمقدار 1.39 مليون برميل يومياً فقط، وإذا نظرنا إلى متوسط الزيادة خلال الشهور التسعة الأولى من العام الحالي مقارنة بتلك من عام 2024، نجد أنها 790 ألف برميل يومياً فقط، وهذه الأرقام تشمل البرازيل، وهي عضو جديد في “أوبك+” غير خاضع لخفض الإنتاج، والتي شهدت زيادات كبيرة في الإنتاج والعرض، وباستثناء البرازيل تصبح الأرقام أقل من ذلك.
ثانياً، ارتفعت صادرات “أوبك+” من النفط الخام بمقدار 1.39 مليون برميل يومياً في سبتمبر الماضي، بينما انخفضت صادرات المنتجات النفطية بمقدار 469 ألف برميل يومياً، وهو أمر تجاهله المحللون ووسائل الإعلام، وتنبع هذه الزيادة في صادرات النفط الخام جزئياً من صيانة المصافي وانقطاعاتها، وبمجرد استئناف المصافي للعمل فمن المرجح أن تنخفض صادرات النفط الخام، وسترتفع صادرات المنتجات، وبعبارة أخرى فإن الزيادة في صادرات النفط الخام التي حصلت في الشهر الماضي لن تستمر.
ثالثاً، انخفضت صادرات البرازيل من النفط الخام بصورة ملاحظة بمقدار 468 ألف برميل يومياً في سبتمبر الماضي، وفقاً لشركة “كبلر”، ومع ذلك ركزت وسائل الإعلام والمحللون على زيادة إمدادات “أوبك” والسعودية، متجاهلين انخفاض البرازيل لأنه يتناقض مع توقعاتهم المتشائمة.
رابعاً، جاء معظم الزيادة في صادرات “أوبك+” من السعودية التي أضافت 858 ألف برميل يومياً، فارتفعت الصادرات إلى مصر بنحو مليون برميل يومياً، بينما انخفضت الصادرات إلى بعض الدول الآسيوية، وتستهدف هذه الصادرات إلى مصر وأوروبا، حيث يفرغ النفط في العين السخنة، ثم ينقل عبر خط أنابيب سوميد إلى سيدي كرير على البحر الأبيض المتوسط حيث المخزونات منخفضة، وانخفضت مخزونات النفط الأوروبية منذ مايو (أيار) الماضي، ولا تزال المخزونات الأميركية منخفضة.
ومن المرجح أن تعيد صادرات السعودية ملء المخزونات في سيدي كرير مما يحد من أثرها في الأسواق، وحتى لو جرى تصدير بعض هذه الكميات إلى أوروبا لإعادة ملئ المخزون فإن هذا سيكون في نوفمبر المقبل، والمخزونات ترتفع عادة في نوفمبر من كل عام، ويؤكد هذا الأمر خفض “أرامكو” أسعار النفط لأوروبا بأكثر من غيرها من الأسواق.
النفط مستقر بعد زيادة إنتاج “أوبك+” بأقل من المتوقع
خامساً، هناك انخفاض مستمر في مخزونات النفط العالمية مع انخفاضات في الصين والهند ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إذ وصلت المخزونات في الهند والدول الصناعية إلى مستويات متدنية تاريخياً، وهذا يعني أن الزيادة في سبتمبر الماضي ستذهب لتعديل هذه المخزونات، وهذا لا يعد تخمة في المعروض.
سادساً، أغفل المحللون ووسائل الإعلام تأثير المخزون النفطي الإستراتيجي مع تسليط الضوء على زيادة إنتاج النفط الأميركي والمنافسة بين “أوبك” والنفط الصخري الأميركي، ومع ارتفاع إنتاج النفط الخام الأميركي واصلت الحكومة توريد النفط الخام إلى المخزون الإستراتيجي، وتشير البيانات إلى أنه على رغم الزيادة المستمرة في إنتاج النفط الأميركي جرى تخزين كميات كبيرة منذ بداية العام، وهو ما يخفف من أثر زيادة إنتاج النفط الأميركي في الأسواق.
سابعاً، أساء متداولو النفط وعدد من المحللين والصحافيين فهم الاستئناف المفاجئ لصادرات النفط الخام من شمال العراق – كردستان عبر تركيا إلى ميناء جيهان، فهو ليس إضافة جديدة كما يظنون، وعودة الصادرات عبر خط الأنابيب بعد عامين ونصف العام ليست سوى تحويل للمسار من الصين إلى أوروبا والولايات المتحدة، أما القول بأنه يضيف إلى الإمدادات المنقولة بحراً فهو غير صحيح، إذ شحن هذا النفط إلى الصين على متن حاملات نفط.
وخلاصة القول إن دول قليلة قادرة على مواصلة زيادة الإنتاج مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج الفعلي عن سقف الإنتاج المعلن، وعلى رغم زيادة الإمدادات في سبتمبر فإن التشاؤم المتجذر في السوق غير مبرر، وتفتقر توقعات فائض كبير خلال الربع الرابع وفائض قياسي عام 2026 إلى الدعم من أساسات السوق، فالمخزونات في دول “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” والهند وسيدي كرير منخفضة، بينما المخزونات العالمية آخذة في الانخفاض، وأية زيادة في إمدادات النفط خلال الأسابيع الأخيرة هي مجرد إعادة المخزونات لمستوياتها الطبيعية، ويذكر أن النمو الفعلي في الطلب الأميركي على النفط أضعاف ما تتوقعه “وكالة الطاقة الدولية”، وعادة ما ترتفع المخزونات في نوفمبر خلال عمليات صيانة المصافي وفي الربع الأول بسبب انخفاض الطلب الموسمي، أما العوامل التشاؤمية التي ذكرتها “وكالة الطاقة الدولية” وجهات أخرى فهي غير صحيحة أو مبالغ فيها، ويبرز اتجاه صعودي جديد في الطلب على النفط مع الارتفاع الهائل في الطلب على الكهرباء، وارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي بسبب زيادة الطلب من مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، والسبب هو عدم قدرة مصنعي توربينات الغاز على الوفاء بالطلب الكبير مما سيحجم النمو على الغاز، وهنا قد تضطر شركات تقنية المعلومات والذكاء الاصطناعي إلى التعاون مع شركات الكهرباء لإعادة تشغيل محطات الكهرباء العاملة بالنفط، وقد تلجأ بعض الشركات إلى التوليد الخاص الذي يستهلك كميات كبيرة من الديزل والسوائل النفطية.