دافوس: الصدمات الجيوسياسية تهدد تعافي النمو العالمي
بعد أن طغت الأزمات الجيوسياسية المتصاعدة في الشرق الأوسط وأوروبا على الأيام الأولى من أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي، سعى المشاركون في جلسات دافوس، اليوم الأربعاء، إلى بحث سبل الدفع بالنمو الاقتصادي، وسط تباطؤ في الاقتصاد الصيني وتخييم شبح الركود على بعض كبرى الاقتصادات.
وبدا أن خطاب رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، الثلاثاء، لم ينجح في إزاحة مخاوف ممثلي مجتمع المال والأعمال المنتشرين في أروقة «دافوس»؛ إذ هيمن الحديث حول تداعيات تهديد ممرات التجارة العالمية في البحر الأحمر، واستمرار تعثر سلاسل الإمداد العالمية، على أعمال المنتدى.
إلى جانب لي، استضاف المنتدى الاقتصادي العالمي ضيفاً من طراز مختلف هذا العام، يلوّح بانقلاب تام على المؤسسات المالية في بلاده قد يشمل إلغاء البنك المركزي. واحتشد مشاركون في المنتدى، الأربعاء، لمتابعة خطاب الرئيس الأرجنتيني الجديد خافيير ميلي، الذي شن هجوماً واسعاً على «الاشتراكية»، ودعا قادة الأعمال والسياسيين في دافوس إلى رفضها، وبدلاً من ذلك تبني «رأسمالية المشاريع الحرة» لوضع حد للفقر العالمي.
وقال ميلي، في خطاب خاص في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا: «اليوم، أنا هنا لأخبركم بأن العالم الغربي في خطر».
وأضاف: «إنه في خطر لأن أولئك الذين يفترض أن يدافعوا عن قيم الغرب يتم اختيارهم من خلال رؤية للعالم تؤدي بلا هوادة إلى الاشتراكية، وبالتالي إلى الفقر».
تباطؤ النمو العالمي
شهدت المؤشرات في اقتصادات العالم الكبرى تحسّناً نسبياً خلال الأشهر الماضية، بعد نجاح السياسات النقدية المتشددة في السيطرة على الارتفاع السريع في نسب التضخم، دون السقوط في فخ الركود. إلا أن غالبية هذه الاقتصادات ما زالت تعاني من استمرار أزمة غلاء المعيشة عقب جائحة «كوفيد – 19» وحرب أوكرانيا، فيما تهدد التحديات الجيوسياسية الجديدة المتمثلة خاصة في حرب غزة، والتصعيد الذي رافقها في البحر الأحمر، المكتسبات التي تم تحقيقها بشكل مباشر، فضلاً عن تأخير التعافي البطيء للاقتصادات النامية.
وسلّط بورغه برنده، رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، الضوء على هذه المخاوف في جلسات دافوس. وقال في حوار سابق مع «الشرق الأوسط» إن «الاقتصاد العالمي هشّ، ومن المتوقع أن يتباطأ النمو إلى 2.9 في المائة هذا العام». واعتبر أن «الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الصراعات العنيفة بلغت أعلى مستوياتها منذ الحرب العالمية الثانية»، مشدداً على أن «الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها حل هذه القضايا هي أن يجتمع القادة معاً، حتى لو لم يتفقوا على كل شيء».
محاولات طمأنة؟
قالت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، نغوزي أوكونجو – إيويالا، إنها «أقل تفاؤلاً» حيال وضع التجارة في العالم هذا العام، بسبب التوتر في البحر الأحمر. وعدّت في تصريحات صحافية أن تراجع النمو الاقتصادي العالمي، و«تصاعد التوتر الجيوسياسي والاضطرابات الجديدة التي نشهدها في البحر الأحمر وفي قناة السويس وقناة بنما»، تجعلنا «أقل تفاؤلاً».
وقبيل حرب غزة، توقّعت منظمة التجارة أن تسجّل التجارة العالمية نمواً بنسبة 3.3 في المائة هذا العام، مقارنة بـ0.8 في المائة في 2023. إلا نغوزي أوكونجو – إيويالا أكدت عمل المنظمة على مراجعة التوقعات. وقالت إنها تتوقع أداء أضعف بسبب «العديد من المخاطر التي تدفعنا لخفض التوقعات».
أوروبياً، حذّرت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، في تصريحات إعلامية على هامش أعمال «دافوس»، من تأثير اضطرابات البحر الأحمر على الاقتصاد العالمي «إذا ما تصاعد الوضع».
رغم ذلك، سعت غورغييفا إلى تهدئة المخاوف المرتبطة بهذه الأزمة. وقالت لشبكة «سي إن إن» إن هجمات الحوثيين الحالية على حركة الشحن «ليست ذات أهمية بالدرجة الكافية للتأثير على الاقتصاد العالمي، لكن المخاطر مرتفعة من انتشار مزيد من العنف وإطالة أمد الصراع، ومن ثم تزايد عدم اليقين».
بدورها، سعت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد إلى إضفاء بعض التفاؤل على المشهد الاقتصادي في دول الاتحاد الأوروبي، ملمّحة إلى تخفيض محتمل لمعدلات الفائدة بدءاً من الصيف.
الاستثمارات الخضراء
أعلن المنتدى الاقتصادي في دافوس عن تكتل جديد يسعى للدفع بالاستثمارات الخضراء في الدول النامية. وانضمّ أكثر من 20 وزيراً ومديراً تنفيذياً إلى هذا التحالف الجديد لجمع ما يتراوح بين 2.2 و2.8 تريليون دولار أميركي تدعم انتقال الدول النامية إلى الطاقة النظيفة.
وفي إعلان المبادرة، قال المنتدى إن «شبكة تعبئة الاستثمار في الطاقة النظيفة من أجل الجنوب العالمي» تسعى للاستجابة إلى الاحتياجات الاستثمارية للدول النامية وتقديم حلول قابلة للتنفيذ لزيادة تدفقات رأس المال في مجال الطاقة الخضراء على مستوى العالم.
ستوفر الشبكة، التي تشمل مسؤولين من مصر والمغرب والهند ونيجيريا وجنوب أفريقيا، منصّة تعاونية لأعضائها بهدف تسريع اجتذاب رؤوس الأموال المهتمة بالطاقة النظيفة. كما ستدعم سياسات مبتكرة ونماذج أعمال جديدة وأدوات إزالة المخاطر وآليات التمويل، وتبادل أفضل الممارسات لجذب التدفقات المستدامة لرأس مال الطاقة النظيفة.