كتبت صحيفة “نداء الوطن” : فوق أنقاض الدولة المتحلّلة، يقف “حزب الله” على ضفة الشغور يراقب عبور المرشحين الرئاسيين ليتأكد من جرف السياديين والإنقاذيين منهم بانتظار أن تحين لحظة التسوية الخارجية التي تتيح له إيصال مرشح “يحمي ظهره” إلى قصر بعبدا بعد أن يبصم على شرط التسليم بمسلّمات “المقاومة وسلاحها”، انطلاقاً من قاعدة أننا “انتهينا من المرحلة التي يقال بها هل نريد مقاومة في لبنان أو لا نريد، وأصبحنا في مرحلة يقال بها إنّ المقاومة أصبحت دعامة من دعامات لبنان لا يستطيع أحد أن يهزّها”، على حد تعبير نائب أمين عام “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، متوجهاً في المقابل إلى كل من يعارض هذه القاعدة بالقول: “إذا استطاعوا أن يهزّوا هذه المقاومة فليفعلوا ذلك، ونحن نرى أنهم هم سيهتزّون ولن يستطيعوا أن يهزّوا المقاومة”.
وبموازاة الخط التصعيدي الرئاسي، يسير “الثنائي الشيعي” على خط متوازٍ نحو تأجيج الخلاف الحكومي من خلف الكواليس لحسابات تتصل بالكباش الدائر مع البطريركية المارونية على خلفية لعب “الثنائي” دور رأس الحربة في عملية تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية في المجلس النيابي وتهميش “الرئيس المسيحي” في المعادلة الوطنية. ومن هذا المنظار تعاطى المراقبون مع دعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مجلس الوزراء للانعقاد اليوم، باعتبارها رسالة تحمل بصمة “الثنائي” في مواجهة رسائل بكركي والقوى المسيحية الداعية والداعمة لإنهاء الشغور، أما رئيس “التيار الوطني الحر” فوجد في الدعوة ضالته لإعادة تعويم مراكبه الرئاسية والسياسية الغارقة، ولم يتأخّر في استخدام الأسلحة الثقيلة لدكّ جبهة ميقاتي ومن خلفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ولم يتوانَ في خلافه حول صلاحيات “تصريف الأعمال” في ظل الشغور الرئاسي عن فضح “المقايضة الحكومية” التي كان قد أجراها مع ميقاتي إبان تأليف حكومته الحالية.
فمصداقاً للقول المأثور “حبل الكذب قصير”، رأت أوساط سياسية أنّ الأحداث المتلاحقة على جبهة التراشق الحكومي خلال الساعات الأخيرة كشفت أنّ “ميقاتي منح باسيل “الثلث المعطل” في مجلس الوزراء مقابل الاستحصال منه على توقيع رئيس الجمهورية السابق ميشال عون على مراسيم التأليف حينها”، معتبرةً أنّ “البيان الصادر عن الوزراء التسعة أتى ليؤكد صحة إبرام هذه المقايضة بين الجانبين بشكل يدحض نفيهما المستمر لها طيلة ولاية العهد العوني، فجاءت دعوة ميقاتي مجلس الوزراء لتوقظ “خلايا العهد النائمة” وتظهر إلى العلن وبما لا يرقى إليه شك أنّ باسيل يملك “ثلثاً معطلاً” صافياً في حكومة ميقاتي”.
وفي وقائع الإشكالية الحكومية التي احتدمت خلال عطلة نهاية الأسبوع، دشّن الرئيس السابق ميشال عون حرب البيانات مع رئيس حكومة تصريف الأعمال عشية موعد انعقاد مجلس الوزراء المحدد صباح اليوم معتبراً أنّ ميقاتي يحاول “الاستئثار بالسلطة وفرض إرادته على اللبنانيين خلافا لأحكام الدستور والأعراف والميثاقية”، داعياً تحت وطأة التهويل بما تحمله خطوة ميقاتي “من تداعيات على الاستقرار السياسي في البلاد” الوزراء في حكومة تصريف الأعمال إلى “اتخاذ موقف موحّد” ضد انعقاد مجلس الوزراء. ولاحقاً، صدر بيان باسم كل من الوزراء عبد الله بو حبيب، هنري خوري، موريس سليم، امين سلام، هكتور حجار، وليد فياض، وليد نصار، جورج بوشيكيان وعصام شرف الدين، يدعو ميقاتي إلى العودة عن دعوة مجلس الوزراء، كما أصدر كل من سلام ونصار بيانين منفصلين للتأكيد على مقاطعة جلسة اليوم في حال عدم سحب الدعوة لانعقادها.
وبينما تحدث بيان وزراء “الثلث المعطّل” عن أنهم تفاجأوا بالدعوة إلى “عقد جلسة لمجلس الوزراء بجدول أعمال فضفاض ومتخبّط”، ردت أوساط حكومية بالكشف عن معلومات وصلتها من ثلاثة وزراء من بين الوزراء التسعة تفيد بأنهم “تفاجأوا بالفعل من صدور بيان بأسمائهم يطالب بعدم انعقاد جلسة اليوم بينما كانوا هم بصدد المشاركة في الجلسة وأعدوا الملفات المتصلة بوزاراتهم لطرحها على طاولة مجلس الوزراء”، وبحسب المعلومات نفسها فإنه “لدى استيضاح الأمر تبيّن بأنّ البيان جرى إعداده وصياغته وتعميمه على الإعلام من جانب قيادة “التيار الوطني الحر” من دون إطلاع كل الوزراء المذكورة أسماؤهم فيه مسبقاً على مضمونه”.
وعليه، أكدت الأوساط الحكومية أنّ ميقاتي كان حتى ليل الأمس مصراً على انعقاد مجلس الوزراء في موعده المحدد اليوم “وسيدخل قاعة المجلس عند الساعة الحادية عشرة لترؤس الجلسة وتحميل كل من يقاطعها من الوزراء مسؤوليته أمام الناس”، موضحةً أنّه “في حال لم يكتمل نصاب الحضور القانوني لانعقاد مجلس الوزراء عندها قد تتحول الجلسة إلى مجرد جلسة حكومية تشاورية بمن حضر”.
وفي السياق عينه، رد رئيس حكومة تصريف الأعمال أمس على “ما يروّجه الإعلام العوني الهوى والانتماء والتمويل” لناحية محاولة “إلباس البطريرك الماروني بشارة الراعي من موقف غير صحيح على الإطلاق” إزاء الدعوة إلى انعقاد مجلس الوزراء، مؤكداً في بيان أنه “في دعوته إلى اجتماع الحكومة يأخذ في الاعتبار هواجس البطريرك وموقفه وسيسعى إلى أن تبقى الحكومة بعيدة عن تأثيرات من هنا وهناك لتحافظ على استقلاليتها كسلطة تنفيذية، ولو لتصريف الأعمال، كما دعا البطريرك الراعي في عظته” أمس.
وكان الراعي قد دعا في قداس الأحد من الصرح البطريركي ميقاتي إلى أن “يصوّب الأمور (…) فالبلاد في غنى عن فتح سجالات طائفية وصراع مؤسسات واختلاف على صلاحيات”، مجدداً التنديد بما تمارسه “القوى المستقوية” في لبنان التي “حوّلت رئاسة الجمهورية جبهة سياسية في محاور المنطقة وقررت الاستئثار بها لتبقى دولة لبنان جزءاً لا يتجزأ من محور الممانعة وحروبها واضطراباتها المستجدة، وتضع لبنان في صفوف الدول المعادية للأسرتين العربية والدولية وجزءاً من العالم المتخلف حضارياً واقتصادياً ومالياً على غرار وضع سائر دول الممانعة”، ليعيد من جديد الإضاءة على مسؤولية “رئيس مجلس النواب المؤتمن على إدارة الجلسات (الرئاسية) وتأمين الظروف الدستورية والنصاب الطبيعي الذي أشارت إليه المادة 49 من الدستور للإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية، لكي لا يفقد المجلس النيابي مبرر وجوده كمركز لانبثاق السلطة”