خطوة فرنسية لـ«طي آلام الذاكرة» المشتركة مع الجزائر
عشية زيارة سيجورني لاستكمال ترتيبات رحلة تبون إلى باريس
بينما اتخذت إحدى بلديات ضواحي باريس خطوة نحو إحداث انفراجة في «أزمة الذاكرة» بين الجزائر وفرنسا، يرتقب أن يزور وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني الجزائر، في إطار التحضيرات الجارية لتنظيم زيارة للرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس، المقررة الخريف المقبل.
وتكريماً لآلاف الجزائريين الذين قتلهم البوليس الاستعماري بشرق الجزائر في 8 مايو (أيار) 1945، أعلنت بلدية نانتير الفرنسية عن افتتاح رسمي للوحة تذكارية، وإزاحة الستار عنها في وسط المدينة، تخلَد الذكرى الأليمة، وذلك بمناسبة مرور 79 سنة على «مجازر سطيف وقالمة وخراطة»، وهي ثلاث مدن بشرق البلاد، خرج عشرات الآلاف من سكانها إلى شوارعها، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لمطالبة فرنسا بالوفاء بتعهداتها بتسليم الاستقلال إلى مستعمراتها، في حال انتصرت على ألمانيا النازية في الحرب. وكانت فرنسا استعانت بآلاف الجزائريين، ومن مستعمراتها الأفريقية الأخرى، في حربها ضد بلدان المحور.
غير أن البوليس الفرنسي واجه المظاهرات بقمع وحشي، فقتل 45 ألف جزائري في يوم واحد، وفق شهادات من عاشوا الأحداث، وكتب دوّنت لهذه الوقائع الأليمة.
ووفق جمعيات بالمجتمع المدني بفرنسا، سيتم وضع اللوحة التذكارية بالقرب من المبنى القديم لقنصلية الجزائر بنانتير.
وتأتي هذه الالتفاتة، ذات الأبعاد السياسية الهامة، في سياق مسعى متفق عليه بين الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون، والفرنسي إيمانويل ماكرون، يخص «لملمة جراح الماضي»، أو ما يعرف بـ«محاولات طي آلام الذاكرة». وكان ماكرون قد وصف خلال حملته الانتخابية الأولى عام 2017 استعمار الجزائر بأنه «جريمة ضد الإنسانية»، وعبر عن رغبته في أن تتقدم العلاقات الجزائرية -الفرنسية، بالرغم من عداوات الماضي. غير أنه واجه ردود فعل عنيفة في الجزائر خلال ولايته الأولى، حين رفض إصدار اعتذار رسمي بسبب الجرائم التي ارتكبت في الجزائر، وعرض بدلاً من ذلك «أفعالاً رمزية» تهدف لـ«تشجيع المصالحة».
ومن بين هذه الأفعال، اعترافه في سبتمبر (أيلول) 2018 بمسؤولية الجيش الاستعماري عن مقتل، واختفاء موريس أودان، أستاذ الرياضيات والمناضل الشيوعي الذي كان مؤيداً لاستقلال الجزائر، مما عرضه للتعذيب في 1957. وروجت الرواية الرسمية للاستعمار آنذاك أنه «اختفى في ظروف غامضة بعد أن كانت الأبحاث جارية عنه».
وفي مارس (آذار) 2021 قدم ماكرون اعترافاً صريحاً بمسؤولية فرنسا عن تعذيب وقتل المحامي الجزائري الشهير علي بومنجل عام 1957، وذلك بعد فترة قصيرة من اعتقاله، في حين ادعى الفرنسيون أنه «انتحر برمي نفسه من طابق علوي من مقر الشرطة»، حيث كان يجري التحقيق معه، بخصوص نضاله في صفوف «جبهة التحرير الوطني».
وتأتي مبادرة اللوحة التذكارية لـ«مجازر الثامن من مايو 1945»، عشية زيارة مرتقبة لرئيس الدبلوماسية الفرنسي، ستيفان سيجورني، إلى الجزائر، حيث سيلتقي بنظيره أحمد عطاف، وأطر الخارجية الجزائرية، وذلك في إطار الترتيبات الجارية للزيارة التي ستقود الرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس في نهاية سبتمبر (أيلول)، أو بداية أكتوبر (تشرين الثاني)، حسب اتفاق جرى بين الرئيسين أثناء مكالمة هاتفية جرت في 11 مارس (آذار الماضي).
وفي لقاء جمعه بالصحافة المحلية، أول من أمس الخميس، أكد عطاف أنه «لا توجد أي مشاكل في العلاقات الجزائرية -الفرنسيةّ»، وأن هناك «لقاءً قريباً سيجمعه مع نظيره الفرنسي، تحضيراً لاستحقاقات مقبلة بين البلدين».
ومن المقرر أن تكون «قضية الذاكرة» من أهم الملفات التي سيبحثها تبون أثناء الزيارة، التي تم تأجيلها مرتين خلال عام 2023، بسبب خلافات حول «الذاكرة» تحديداً، وخاصة حول رفض فرنسا تسليم برنس وسيف الأمير عبد القادر الجزائري، وبقية أغراضه المحجوزة في قصر أمبواز بوسط فرنسا، حيث كان أسيراً من 1848 إلى 1852.