رأي

خطة “حسم الصراع”.. سبل المواجهة فلسطينياً وعربياً

كتب الصحافي شرحبيل الغريب في “الميادين نت”:

بات من الضّروري عربياً وضع خطة عاجلة للتصدي بقوة لخطة “حسم الصراع”، التي تريد أن تفرض حلاً بإخضاع الشعب الفلسطيني للمشروع الصهيوني.

تصعيد تلو تصعيد، وانتهاكات مستمرة لا تنتهي تنفذها حكومة نتنياهو ضد الشعب الفلسطيني. الدائرة تدور: القدس ونابلس وجنين ثم حوارة، بعد ارتكاب قوات الاحتلال المجزرة الرابعة في أقل من شهرين، والتي طالت مخيم نابلس في الضفة الغربية المحتلة، ليرتفع عدد الشهداء منذ بداية العام الجاري إلى 70 شهيداً.

انتقال حكومات الاحتلال في “إسرائيل” من إستراتيجية “إدارة الصراع” مع الفلسطينيين أو تقليصه، وهو نهج الحكومات السابقة، إلى إستراتيجية جديدة هي “حسم الصراع”، معناه، وفق الرؤية الإسرائيلية، أنَّ هذا هو شكل الحل النهائي مع الفلسطينيين. 

إنَّ سلوك الاحتلال الإسرائيلي في مدن الضفة الغربية ومحافظاتها والوحشية والدموية التي باتت تتصدر مشهد الأحداث يمكن تفسيرها في مسارين رئيسيين:

المسار الأوّل: أنّ هذا السلوك الوحشي الذي تمارسه حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف هدفه تدمير الفلسطينيين وقتلهم بكل الوسائل الممكنة والمتاحة، تحت عنوان “بداية حسم الصراع بالقوة” مع الشّعب الفلسطيني وقتل روح المقاومة المتصاعدة.

المسار الثاني: أنَّ هذه الوحشية الإسرائيلية تعبر عن حال الإحساس الإسرائيلي العميق بالفشل في وقف مؤشر المقاومة الفلسطينية المتصاعدة في مدن الضفة الغربية المحتلة ومخيماتها.

صور القتل والإرهاب والبطش الإسرائيلية، ومعها الاستيطان، تعكس سياسة إسرائيلية قائمة على الحسم المتدرج للصراع مع الفلسطينيين، مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف البيئة السياسية الدولية والإقليمية، لكنَّ مشهد التصعيد الإسرائيلي الخطر والمرتقب لحكومة بنيامين نتنياهو سيكون حتماً بعد الانتخابات الأميركية المقبلة، ولكن كيف ذلك؟

هناك قناعة كبيرة تولَّدت لدى حكومة نتنياهو بأن الإدارة الأميركية برئاسة بايدن لن توفر أيّ مظلة آمنة أو غطاءً للقرارات الإسرائيلية الكبيرة تجاه قضية “حسم الصراع بالقوة” مع الفلسطينيين، إذ إنَّ السياسة الأميركية في عهد إدارة بايدن قائمة في جوهرها على تحسين شروط الاحتلال، وليس البحث في سبل إنهائه وآلياته.

بدا ذلك واضحاً من خلال الحراك الكبير الذي قام به مبعوثون أميركيون في الآونة الأخيرة في المنطقة، تحت عناوين خفض التصعيد ووقف الإجراءات الأحادية الجانب، ولم ترتقِ المواقف الأميركية إلى انتقاد الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الفلسطينيين أو رفضها أو إدانتها.

حكومة نتنياهو ترى أنَّ الجمهوريين في أميركا عائدون لا محالة بعد عام ونصف عام أو أكثر بقليل. مثل هذا السيناريو سيشجع نتنياهو على القفز بطريقة أكبر تجاه حسم الصراع بشكل صارخ مع الشعب الفلسطيني، ما يفسر وجود رغبة لدى نتنياهو في إرجاء القرارات الإستراتيجية الكبرى إلى حين توفر مظلّة أميركية آمنة له في البيت الأبيض للمضي قدماً في خطة الحسم التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية.

خطّة الحسم المطروحة حالياً على الطاولة الإسرائيلية تقوم على مبدأ استخدام القوة المفرطة ضد الفلسطينيين، وهو ما يعد تجسيداً عملياً للمبادئ الرئيسية التي تؤمن بها حكومة نتنياهو ومكوناتها من تيارات الصهيونية الدينية، وأبرزهم سموتريتش وبن غفير ورؤيتهما تجاه “حسم الصراع بالقوة” مع الفلسطينيين.

من أبرز الأهداف الإستراتيجيّة لخطّة “حسم الصراع”، إعلان السيادة الإسرائيلية على كل الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين منها بمعدل 20 ألف شخص سنوياً حتى العام 2035، وإغراق الضفة الغربية بالمستوطنات والمستوطنين، وتفكيك السلطة الفلسطينية، وفرض القانون الإسرائيلي على كل مناطق الضفة الغربية، ومضاعفة الاستيطان بمعدل 3 مرات، وشطب نموذج الدولة الفلسطينية من الوعي والأرض.

وتهدف الخطّة إلى اعتبار غرب نهر الأردن منطقة قومية يهودية. أما غير اليهود، فسيعيشون فيها كأفراد، وليس كقومية مستقلة، من خلال التنازل عن الحقوق القومية وقبول الحقوق كأفراد، ومن يرفض ذلك عليه أن يهاجر، ومن لا يقبل بذلك سيحسم الصراع معه عسكرياً، فيما يعترف سموتريتش في خطته بأن ما تحتاجه “إسرائيل” هو هزيمة الوعي والحلم والأمل عند الفلسطينيين.

تسعى “إسرائيل” من خلال خطة الحسم بالقوة إلى توطيد “الحلم” الإسرائيلي ببناء كيانها على جميع الأراضي الفلسطينية، بما فيها الضفة الغربية، واستبدال سكانها الأصليين بمستوطنين يهود لتنفيذ مخطط الأبارتهايد، انطلاقاً من إدراكها أن الخطر الحقيقي الذي يواجهها في الصراع القائم هو الخطر الديموغرافي للفلسطينيين، الذي يشكل هاجساً كبيراً لها، وهو ما جعلها تتجه إلى خيار مواجهة هذا الخطر بسياسة العزل أو التهجير.

تسعى “إسرائيل” من وراء تطبيق خطة الحسم بالقوّة لفرض سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين، والقبول بأحد الخيارات؛ إما القبول بالحل النهائي الذي تفرضه “إسرائيل”، وإما طردهم وتهجيرهم، وفق المعطيات والرؤية الإسرائيلية.

تكشف خطة الحسم بهذه التفاصيل معايير العنصرية والوحشية الفاشية الإسرائيلية في ظلّ استمرار مسلسل قتل الفلسطيني وتهجيره، من دون التوقّف لأي اعتبارات مرتبطة بردّ فعل العالم تجاه تنفيذ الخطة. كيف لا وقد حددها سموتريتش بشكل صارخ وواضح، وهو الذي يتبنى الأجندة الأكثر عنصرية ضد الفلسطينيين ويضعهم أمام خيارات ثلاثة، إما أن يعيشوا في دولة يهودية، وإما أن يهاجروا خارج فلسطين، وإما أن يموتوا بالقتل الذي ينتظرهم.

ما سبل المواجهة عربياً وفلسطينياً؟

خطة الحسم وتوجهات سموتريتش، ومعه الائتلاف اليميني المتطرف، تجاه الشعب الفلسطيني ليست مسألة غرور سياسي للتباهي، بل تعدّ تصميماً وبداية مؤشر على تنفيذها. 

في هذه الحالة، لن يكون أمام الفلسطينيين سوى مقاومتها، وبكل الأثمان، وتعزيز العمل المقاوم بكل أشكاله، بهدف إفشال مخطط “إسرائيل” القائم على محاولة تركيع الشعب الفلسطيني وقتل حلمه وتطلعاته بالحرية والانعتاق من الاحتلال.

وبات من الضروري عربياً وضع خطة عاجلة للتصدي بقوة لخطّة حسم الصراع التي تريد أن تفرض حلاً بإخضاع الشعب الفلسطيني الذي يعيش القتل والقهر للمشروع الصهيوني بأكمله، في وقت أصبح الأمن القومي العربي لبعض من الدول مهدداً أيضاً في حال المضي في تنفيذ هذه الخطة.

هذا الأمر يتوجب البحث في كيفية الوقوف بحزم لمواجهة مخططات سموتريتش وبن غفير ومن يصطف إلى جانبهم من الائتلاف الإسرائيلي المتطرف، بدلاً من عقد القمم الأمنية التي تدعو إلى التهدئة هناك أو هناك ومجاراة “إسرائيل” وتوفير غطاء لجرائمها بحق الفلسطينيين.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى