خريطة متغيرات المشرق العربي والشرق الأوسط

كتب أسامة سرايا في صحيفة بوابة الأهرام.
المنطقة ستتغير حتمًا، والمشرق العربي سوف يُشرق من جديد. هناك مؤشرات لا يمكن تغافلها، ولا نستطيع إلا أن نراها مسارات جديدة بعد طول معاناة. صحيح أن العدوان الإسرائيلي لم ينتهِ على قطاع غزة، وما زال عنفه مستمرًا في حرب تجويع مخيفة، ومعدلات الشهداء مستمرة بلا توقف وتتزايد.
وقد تَباهى رئيس الوزراء نتنياهو علانيةً أنه هدم 50 برجًا في غزة، متهمًا حماس بأنها تستخدم الأبراج كنقاط مراقبة لمقاتليها. وكذلك ما زالت معاناة أهل الضفة الغربية مستمرة.
ما زال الرئيس ترامب يرى غزة أرضًا بلا شعب، ويريد تهجيرها وإقامة ريفيرا على البحر المتوسط. ويعقد اجتماعات في البيت الأبيض مع صهره كوشنر ورجل الاستشارات السياسية بالإيجار توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق. وتخرج الاجتماعات بفشل ذريع للبيت الأبيض، مكررًا فشل ترامب في وقف حرب أوكرانيا وضعفه المخيف أمام نتنياهو.
سوف يتذكر العالم أن الرئيس ترامب شغل الدنيا والناس منذ صعوده للبيت الأبيض. لم ينجح حتى الآن، بل أصبح مشهورًا بأنه الرئيس الذي لا يحقق شيئًا، وأنه يسعد بالإنجازات الميكروفونية أو المؤتمرات الصحفية التي يعقدها مع زعماء العالم؛ أي حفلات العلاقات العامة السياسية والهجوم على سلفه بايدن. بل إن العالم أشبع أمريكا تهكمًا بعد قمة شنغهاي، التي أعلنت ميلاد العالم الجديد.
ما الذي يجعلني أشعر أن المشرق العربي يتغير، وأنه سيكون في قلب الشرق الأوسط؟ هل العملية الأخيرة في القدس التي هزت إسرائيل من الداخل وراح ضحيتها 7 إسرائيليين ومئات المصابين جعلته يشعر بأن حركات المقاومة سيكون لها تأثير على الشارع الإسرائيلي وعلى المجتمع العربي، وأنها بمثابة إشارة إلى المتغيرات المرتقبة، وأن المقاومة مستمرة، وكل يوم يثبت أن الحرب ليست السبيل إلى الأمن لكل الأطراف؟
لكن الذي أشعرني بقدرة العرب على التغيير المستمر لصالح شعوب هذه المنطقة وقضيتهم الفلسطينية، هو أنهم لا يتنازلون عن القرار الأخير لجامعة الدول العربية الذي تقدمت به مصر والسعودية، وأقره مجلس الجامعة من 7 نقاط محددة، عبارة عن رؤية مشتركة للأمن والتعاون للمنطقة. وكان وضوح القرار بجلاء أن عدم تسوية القضية الفلسطينية بشكل عادل والممارسات العدوانية لإسرائيل “قوات الاحتلال” هما ما يقف حاجزًا أمام فرص التعايش السلمي في المنطقة، القرار الجديد مهم لمستقبل الشرق الأوسط كله، وليس المشرق العربي فقط.
حتى نكون واضحين، فإن كل الأطراف غير العربية تنظر للموقف العربي بالكثير من الإقدام، ويكفينا هنا للتدليل التحرك المصري لمساعدة إيران، وحل مشكلتها المستعصية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وكانت القاهرة ورشة عمل للوزير الخارجي العراقي عباس عراقجي والوفد الدبلوماسي مع رافاييل جروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي علقت طهران التعاون معها منذ يوليو الماضي. وكما هو معروف فإن معضلة المعضلات مع إيران هو برنامجها النووي، وإذا حدث اتفاق مع هيئة الطاقة الذرية، تنتفي كل المبررات للاعتداء على إيران، سواء كان أمريكيًا أم إسرائيليًا، ويتم تطبيع الموقف الإيراني في الشرق الأوسط.
الهوس الإسرائيلي أو الجنون بالقوة وصل إلى منتهاه، ولم يعد نتنياهو يملك أكثر من ذلك، وسلّم مقاليد القوة إلى العقل في المنطقة. ونعتقد أن مصر والسعودية تملكان من الحكمة والقدرة ما يمكنهما من قيادة منطقة “الشرق الأوسط” ودمج شعوبها في مشروع قومي يصلح بعد طول معاناة الحرب والأزمات، يخرج من رحمها الحلول المستقبلية للمنطقة.
وبرغم الصعاب والآلام أرى أن هذه الظلمة أو النفق المظلم طريق للنجاة، لكن التعاون العربي مع مصر والسعودية يمكنه أن يرسم ويعبد الطريق القادم، ليكفل حقوق كل العرب، وأولهم الفلسطينيون، ويوقفون الحروب العبثية التي انطلقت هنا أو هناك، ويضعون الإرهاب والتطرف والعنف في حجمه الصحيح، بلا تغافل أو تهاون، وفي نفس الوقت بلا انتباه للمستقبل بكل المتغيرات.
سوف يُكتب للقادة الحاليين في الشرق الأوسط، خصوصًا المنطقة العربية، أنهم أوقفوا عربدة القوة الإسرائيلية، وحافظوا في الربع الأول من القرن الراهن على الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط من الانهيار.




