خدعة بدل النقل لعدم تصحيح الأجور؟!
يطرح أصحاب العمل والممسكون بالسلطة زيادة بدل النقل كبديل من زيادة الأجور. الهدف هو السطو على حقوق العمال ومكتسباتهم لأنه يتيح لأصحاب العمل التهرّب من واجباتهم تجاه تعويضات نهاية خدمة العمال، والإمعان في ضرب فئات مهمّشة مثل العاملين لحسابهم والعاطلين من العمل.
«في وضع خربان كالوضع اللبناني، لا يوجد فيه استقرار في الأسعار، وتأثّرت بالأزمة قطاعات إنتاجية أكثر من غيرها، وبات هناك عدد كبير من العاطلين من العمل أو العاملين بأجر غير ثابت (العاملين لحسابهم)، تُصبح المعالجة من خلال حِيل كبدل النقل أمراً سخيفاً» برأي الوزير السابق شربل نحاس، مشيراً إلى أن طرحاً كهذا يستدعي إعادة المسألة إلى إطار المفهوم الذي تحدّث عنه الاقتصادي غسّان ديبة خلال معركة تصحيح الأجور عام 2011، أي الأجر الاجتماعي.
– أجراً يدفعه صاحب العمل ويترتّب عليه اشتراكات لتأمين تعويض نهاية الخدمة، ويخضع لرقابة مفتّشي الضمان
– تقديمات اجتماعية (تعليم، طبابة…).
– تغطية المؤسسة بعض الأمور التي يفرضها العمل (زيّ عمل موحّد، تدريبات إضافية، نقل…).
يوضح نحّاس بأنّ كل ما هو مشمول بالبند الثالث «لا يخضع لكلّ القواعد التي ثُبّتت بالنضالات، وهو غير مُحصّن، بمعنى أنّه لا يخضع لأي رقابة». هو فقط عبارة عن «تغطية من قبل ربّ العمل لجزء من كلفة تترتّب على الأجير بحُكم عمله». ويشير إلى أنه عندما «يتحوّل بدل النقل إلى مبلغ مقطوع، يصبح هذا البدل بمثابة عملية احتيال موصوفة لطمس جزء من الأجر، وحرمانه من الحصانات والضمانات المرتبطة به».
أي تصحيح؟
يشرح الوزير السابق كيفية تقسيم الراتب: أولاً، أرباح رأس المال. ثانياً، أرباح العمل في الأجر. ثالثاً، ما تقتطعه الدولة من خلال الضرائب لتقديم خدمات عامة. ومع تراجع الناتج المحلي الإجمالي (قيمة جميع السلع والخدمات داخل الدولة خلال فترة زمنية محددة، ومؤشّر إلى نمو الاقتصاد) وارتفاع الأسعار، «لا تعود هناك كمية كافية من الإنتاج للحفاظ على نفس القدرة الشرائية للجميع». هنا يصبح تصحيح الأجور النقدية أمراً أساسياً ومطلوباً ومُمكناً، إنما يجب الأخذ في الاعتبار أيضاً أن هناك «عاطلين من العمل، ومؤسّسات صغيرة ومتوسطة شبه مفلسة وسواهم ممن أصابتهم الأزمة ولا يمكن تعويض قدرتهم الشرائية عبر التصحيح المطروح لا في الأجر النقدي ولا عبر بدل النقل». عندها يُصبح المدخل لتصحيح الأوضاع «في توفير الدولة لعدد من الخدمات الأساسية، كالصحة والتعليم، ونزع صفتها الاستهلاكية عنها حتى لا يتكبّد تكلفتها السكان».
وفيما يمكن زيادة الأجور لتعويض تدهور القدرة الشرائية، يمكن أيضاً تقليص الأكلاف المترتبة على الأسر لتعويض فقدانها هذه القدرة. اختيار الوسيلة لاستخدامها مرتبط بالظروف الموضوعية والأهداف التي تنوي الحكومة رسمها في إطار سياسة الأجور. لكن هذه السياسة باتت معروفة، وهي السطو على حقوق العمال وسلبهم أجورهم الحالية ومستقبلهم في تعويضات نهاية الخدمة. سبق أن فعلت ذلك في 2012 يوم كان نحاس وزيراً للعمل في حكومة نجيب ميقاتي. في تلك الفترة، أراد ضمّ بدل النقل إلى صلب الراتب، رافضاً توقيع مرسوم النقل الذي يتقاضاه الأجراء في لبنان بشكل مستقل عن الراتب. عَمِل على مشروع قانون اسمه «تحديد مفهوم الأجر وشروط حمايته وصونه»، ليكون بديلاً من مشروع السلطة «تحديد قيمة بدل النقل»، مُستفيداً من صدور ثلاثة آراء عن مجلس شورى الدولة تعتبر أنّه لا وجود لعنصر خارج الأجر يُسمّى «بدل النقل». والحِسبة في حينه بيّنت أنّ تحديد قيمة لبدل النقل من خارج الأجر، تُساوي حرمان كلّ عامل عشرة ملايين ليرة (أو 7 آلاف دولار حين كان سعر الصرف 1500 ليرة) من تعويضات نهاية خدمته.
سلب في معرض التجميل
اليوم، يُصرّ ممثلو الهيئات الاقتصادية في لجنة المؤشر على عدم زيادة الأجور أكان في القطاع العام أم الخاص بذريعة كاذبة عن أن الأزمة ناتجة من سلسلة الرتب والرواتب الأخيرة. ويُجمّلون موقفهم من عدم إعطاء العمّال حقوقهم المادية بالقول إنّه «بغض النظر عن التسميات، يهمّنا المضمون، وهو تصحيح الحدّ الأدنى للأوضاع المعيشية من خلال مساعدات رفع بدلات التعليم ورفع بدل النقل. إضافة إلى مساعدات لسنة واحدة».
التوصّل إلى تحديد أجر شهري في العالم خلال القرن العشرين، كان نتيجة مرحلة طويلة من النضال الثوري في وجه التعسّف ضدّ الأجراء ومفهوم الأجر اليومي، فصار للعمال وضع قانوني. تستمر السلطة اللبنانية في محاولة حرمان العمّال من أبسط حقوقهم، بدل مادي يحصلون عليه لقاء مجهودهم. وفي الوقت نفسه، تحرمهم من حقهم في التعليم والصحة وغيرها من الخدمات الأساسية التي تعكس ملامح النمو في بلد ما. فأي مُجتمع واقتصاد «تطمح» الدولة لبنائه في هذا الوضع؟