خبير إيطالي: نفوذ حفتر يمثل مشكلة لأمننا الطاقي
يحمل إغلاق حقل الشرارة النفطي في ليبيا يوم 3 أغسطس/آب الجاري، والذي يُعد أحد أكبر الحقول النفطية في البلاد، على يد خليفة حفتر ومليشياته، تداعيات اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق، بالنظر إلى كونه مصدرًا حيويًا للعائدات المالية التي يعتمد عليها الاقتصاد الليبي بشكل كبير، وبالتالي فإن أي توقف في إنتاجه يؤثر بشكل مباشر على الإيرادات الحكومية ويزيد العجز المالي، بل ويمتد تأثيره إلى أمن الطاقة في الدول التي تستورد النفط الليبي، ومنها إيطاليا.
وكشف رئيس النقابة العامة لعمال النفط في ليبيا سالم الرميح، في حديثه لموقع فواصل الليبي، أن خسائر إغلاق حقل الشرارة النفطي في بداية الشهر الجاري بلغت ملياري دينار. وبحسب الرميح، فإن الخسائر لم تكن مادية فقط وإنما هناك خسائر فنية نتيجة إغلاق الحقل الأكبر في ليبيا، وتعطل ثلث إنتاج البلاد من النفط، حيث أوضح أن الخسائر الفنية تتمثل في تعرض أنابيب نقل النفط الخام والمضخات الموجودة على الآبار إلى مشاكل كبيرة.
ومن ناحية أخرى، شب حريق هائل على طول خط أنابيب يربط مرافق التخزين في ميناء السدرة، الذي يقع في شرق البلاد، بحقول النفط، مساء الإثنين 12 أغسطس/آب. وشهدت ليبيا في الأسابيع الأخيرة اضطرابات سياسية جديدة ألقت بظلالها على إنتاج النفط في البلد المعفي من قرارات التخفيض التي اتخذها تجمع أوبك+ بسبب أوضاعه الأمنية والسياسية الهشة. هذا الوضع أثار شكوك بعض المراقبين في أن حرائق خطوط أنابيب النفط لم تكن كلها غير مقصودة.
من جانبه، ذكر الباحث في مؤسسة RIE الإيطالية لأبحاث الصناعة والطاقة فرنشيسكو ساسّي أن الانعكاسات الخارجية للفوضى على الساحة الليبية تصطدم بمصالح إيطاليا وأوروبا، اللتين عجزتا بشكل كبير عن التأثير على الديناميات المحلية هناك.
حفتر يسيطر على إنتاج النفط في شرق ليبيا
وأوضح ساسّي، في تحليل نشرته مجلة “ريفيستا إنيرجيا” المتخصصة في شؤون الطاقة بتاريخ السابع من أغسطس/آب تحت عنوان “توقف إنتاج أكبر حقول النفط في ليبيا: الرسائل الموجهة إلى خطة ماتّي”، أن الطاقة الإنتاجية لحقل الشرارة تراجعت بعد الإغلاق، وفقاً لوكالتي ستاندرد & بورز وبلومبيرغ، من 250 ألفاً – 270 ألف برميل يومياً إلى عشرة آلاف برميل فقط، والتي توجه إلى محطة توليد الكهرباء في أوباري. وهذا يعد إشارة إلى أن الذين فرضوا هذا الإغلاق معنيون بضمان استمرار حصول السكان المحليين على إمدادات الطاقة الكهربائية في ذروة فصل الصيف اللافح.
وتابع أن هذا الحادث يلقي بظلال جديدة على قدرة البلاد على ضمان تدفقات الإمداد بالنفط نحو الأسواق الخارجية، معتبراً أن نفوذ حفتر في ليبيا يمثل مشكلة لأمن الطاقة في إيطاليا أيضاً، بالنظر إلى أن أقل ما يقرب من 40% من إجمالي وارداتنا النفطية يأتي من أفريقيا، بينما عادت ليبيا في الربع الأول من العام الجاري لتحتل صدارة الدول المصدرة للنفط لإيطاليا بنسبة 21% من إجمالي وارداتها من النفط.
ورأى أن معسكر حفتر ومليشياته، بفرضه الإغلاق على أكبر حقول النفط في ليبيا، لا يضع ضغوطاً فقط على إسبانيا وشركاء شركة أكاكوس للعمليات النفطية، وبشكل غير مباشر على أوروبا وإيطاليا، وإنما يبعث برسالة أيضاً إلى المستثمرين الأجانب مفادها أنه من دون الاعتراف الرسمي أو شبه الرسمي بدور طبرق في المفاوضات لن يكون بالإمكان تنفيذ استثمارات جديدة في النفط والغاز الطبيعي في أجواء آمنة في ليبيا.
وختم بقوله إن ليبيا، المركز الحساس لخطة ماتّي، تظل محوراً للصدام بين قوى تسعى كل منها لفرض أجندتها على مسافة مئات الكيلومترات من سواحلنا. وهكذا، فإن صعوبة الطريق نحو إنجاز هذه الخطة آخذة في الازدياد.
بدورها، قالت الأستاذة بجامعة بادوا الإيطالية والخبيرة بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا البروفيسورة ميكيلا ميركوري إن تطويق منطقة غدامس التابعة لحكومة الدبيبة المعترف بها دولياً من قبل القوات التي يقودها حفتر قد يغرق البلاد من جديد في أجواء عدم استقرار أشد قتامة.
وتابعت ميركوري، في حديث خاص لموقع “إل سوسّيدياريو” الإيطالي، أن “مجموعة إيني، على وجه التحديد نفذت استثمارات كبيرة من أجل تنمية حقول النفط والغاز”، ورأت في هذا الأخير بديلاً عن الغاز الروسي والجزائري، بالنظر إلى العلاقات الوثيقة التي تربط بين الجزائر وموسكو.
ورداً على سؤال حول أصول وأنشطة إيني اليوم في ليبيا، أوضحت أن “إيني لديها عدد كبير للغاية من الأصول في البلاد: وثمة العديد من المشروعات البحرية على امتداد السواحل الليبية، ويتمثل المشروع الأكثر أهمية، في هذا السياق، في خط أنابيب غاز (غرين ستريم)، الذي ينطلق من مليتة ويصل حتى ميناء جيلا في صقلية”.
وأشارت إلى أن “إيني، التي تحظى بتقدير كبير في ليبيا، تركز كثيراً، من المنظور المستقبلي، على إطلاق هذا الخط من أجل جلب كميات أكبر من الغاز إلى إيطاليا، بالنظر إلى مشكلات الإمدادات التي أفرزتها الحرب الروسية-الأوكرانية”، مضيفة أن “هناك أيضاً حقل محروقات بري مهم هو حقل الوفا بالقرب من طرابلس، والذي يعد أحد الحقول التي تشهد تدخلات من قبل المليشيات من أجل جذب انتباه إيني نحوها”.
وفي ما يتعلق بمشروعات إيني التي لم تنفَذ بعد في ليبيا، ذكرت الأكاديمية الإيطالية أن إيني أبرمت أخيراً مع حكومة الدبيبة ومع مؤسسة النفط الوطنية اتفاقاً بقيمة ثمانية مليارات دولار (ولكن الحديث يدور الآن أيضاً عن أرقام أكبر) لزيادة مستودعات التخزين في مليتة وإقامة مشروعات لإزالة الكربون واتفاقيات بخصوص الطاقة المتجددة وزيادة الإمداد بقطع الغيار وتدريب الأطقم الليبية.
ومن ناحية أخرى، وقعت إيني مع منظمة الهجرة الدولية اتفاقاً يهدف إلى زيادة فرص العمل في ليبيا. وتهدف مقاربة المجموعة الإيطالية، وفقاً لميركوري، إلى رفع الطاقة الإنتاجية للنفط والغاز، ولكن مع النظر بعين الاعتبار إلى نمو البلاد.
ورأت أن لأنشطة إيني في ليبيا ثقل بالغ الأهمية على الاقتصاد الإيطالي بالنظر إلى أزمة الحرب الروسية – الأوكرانية والعقوبات المفروضة على موسكو، وقالت: “من خلال خط ترانسميد، الذي يجلب الغاز إلى إيطاليا عبر تونس، تمكنّا من استئناف علاقات مهمة مع الجزائر”.
وأضافت: “الجزائر تربطها علاقات تجارية مع روسيا، وبالتالي فإن الاتفاقيات الموقعة معها، حيث نستورد منها 41% من احتياجاتنا من الغاز، لا يمكن اعتبارها مستقرة بالكامل. لهذا السبب أيضاً تبرز الأهمية الكبيرة لأنشطة إيني في ليبيا بالنسبة لبلدنا. وفي هذا السياق، إذا جرى تفعيل خط غاز مليتة، الذي ينقل الغاز مباشرة إلى إيطاليا، فسوف يكون بالإمكان حل العديد من المشكلات المرتبطة بالغاز التي تواجهنا”.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان وراء التحركات العسكرية الأخيرة لمليشيات حفتر دوافع خاصة بالنزاع على إدارة موارد الطاقة في البلاد، رأت الخبيرة الإيطالية في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن إحدى المشكلات الأساسية تتمثل في أن إدارة عوائد جانب كبير من النفط المستخرج في برقة من قبل شركات محلية ينتهي به المطاف في قبضة مؤسسة النفط الوطنية، ومقرها في طرابلس، وبالتالي لدى حكومة الدبيبة، وأشارت إلى أن هذا الوضع لم يستسغه حفتر وأبناؤه ومن الممكن أن يكون هو الدافع خلف تحركهم الأخير نحو غدامس. وأضافت: “وأخيراً، تبقى روسيا موضوعاً أساسياً في رقعة الشطرنج الليبية”.