خبراء يطالبون «الجنائية الدولية» بإرسال فريق ميداني إلى دارفور
طلبت المحكمة الجنائية الدولية من نشطاء مدنيين «تقديم أي معلومات أو أدلة تتعلق بالفظائع المرتكَبة وتُرتكب في دارفور» السوداني، لمساعدتها على إكمال تحقيقاتها المستمرة، وذلك عقب الهجوم على المستشفى الجنوبي بالفاشر، حاضرة ولاية شمال الإقليم، فيما طالب خبراء قانونيين «بتشكيل فريق دولي يُجري تحقيقات على الأرض وألا تكتفي المحكمة بالمعلومات التي يرسلها النشطاء والمدافعون عن حقوق الإنسان».
وقال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إنه يشعر «بقلق خاص إزاء الطبيعة ذات الدوافع العرقية للهجمات التي تتعرض لها مدينة الفاشر والفظائع المرتكَبة هناك في أعقاب الهجوم على المستشفى الجنوبي بالمدينة».
وكريم خان هو المدعي العام الثالث للمحكمة الجنائية الدولية منذ تأسيسها، وجاء انتخابه في منصبة في مايو (أيار) 2021 بعد الغامبية فاتو بنسودا التي واجهت عقوبات أميركية على خلفية طلبها تحقيقاً في «ارتكاب القوات الأميركية جرائم حرب في أفغانستان»… وهي كانت قد خلفت أول مدَّعٍ في المحكمة الجنائية لويس أوكامبو، الذي وجَّهت المحكمة في عهده الاتهامات إلى الرئيس السابق عمر البشير وعدد من مساعديه، بارتكابات كبيرة.
وطلب خان حسب نشرة على منصة «إكس»، «من كل مَن يملكون معلومات ذات صلة بالجرائم الدولية المزعومة في دارفور تقديمها لمكتبه». وتابع: «نحقق بشكل عاجل بشأن مزاعم ارتكاب جرائم دوليّة واسعة النطاق في الفاشر بشمال دارفور والمناطق المحيطة بها، وذلك استمراراً لتحقيقات المحكمة المستمرة في الإقليم منذ أكثر من عقدين زمانيين».
وقال الخبير القانوني حاتم إلياس، في إفادة لـ«الشرق الأوسط»، إن «ملف دارفور لدى (الجنائية) لا يزال مفتوحاً، استناداً إلى قرارات مجلس الأمن وتحقيقات المحكمة السابقة التي قادت إلى اتهامات طالت الرئيس السابق عمر البشير، وعدداً من معاونيه، ولا تزال تلاحقهم».
ورأى إلياس أن قرارات مجلس الأمن السابقة التي منحت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية سلطة الاتهام في الجرائم ضد الإنسانية، «مكَّنت، من خلال تحقيقات مع الضحايا، من التوصل إلى بينات قوية تؤكد حدوث جرائم ضد الإنسانية في دارفور».
ويعد قرار مجلس الأمن رقم 1591 في 2005 الأساس الإجرائي والقانوني لتحقيقات المحكمة الجنائية في جرائم دارفور، وقال: «لن تنتهي التحقيقات باتهام الرئيس البشير ووزير داخليته وقتها أحمد هارون، ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، وقائد قوات الجنجويد الذي يخضع للمحاكمة لدى (الجنائية) علي كوشيب، بل هنالك واقع مستمر للجرائم ضد الإنسانية، ربما أفرزته الأزمة الدارفورية، وتريد المحكمة الجنائية التحقيق فيها».
ونفى الخبير القانوني وجود علاقة «بين تدخل المحكمة الجنائية الحالي وحرب السودان الراهنة»، بيد أنه قال: «ربما يُفتح تحقيق لاحق في وقائح الحرب بقرار منفصل من مجلس الأمن، لكن المحكمة هنا تستند كما أوردت، إلى قرارات مجلس الأمن السابقة الخاصة بأحداث دارفور بوصفها وقائع لم تنتهِ ومستمرة».
وقال القانوني الناشط في مجال حقوق الإنسان المعز حضرة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن نداء مدعي المحكمة الجنائية الدولية، يدل على اهتمام محكمته بالاعتداءات التي تحدث في الفاشر، واستمرار قرار مجلس الأمن السابق بالتحقيق في جرائم دارفور وتحويلها للمحكمة الجنائية الدولية، وتابع: «هناك متهمون قدامى ومتهمون جدد تحقق المحكمة بشأنهم».
وطلب حضرة من المدعي العام، «تشكيل لجنة تحقيق دولية تأتي للبلاد، وتقدم أدلة وبيّنات مستندة إلى الواقع، وعدم الاكتفاء بالمطالبة بتقديم المعلومات». وأوضح: «كمدَّعٍ عام من حقه تشكيل لجنة من المحكمة لتحصل على أدلة واقعية، وعدم الاكتفاء بالمعلومات التي قد ترد من الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان، الذين يواجهون القتل والتنكيل والاعتقال، من طرفَي الحرب في السودان».
واستند حضرة في طلبه تشكيل «فريق تحقيق دولي تتوفر له الحماية اللازمة»، إلى تجربة لجنة مجلس الأمن الشهيرة التي حققت في جرائم دارفور بقيادة الإيطالي أنطوني كاسيوس، والمصري محمد فايق، التي ذهبت إلى دارفور وكتبت تقريرها من أرض الواقع، وعُرفت بـ«لجنة كاسيوس».
ووصف الاكتفاء بالمعلومات والأدلة التي يمكن الحصول عليها من الناشطين، بـ«غير المجدية أسوةً بما فعله مجلس حقوق الإنسان». وقال: «إنها غير مجدية، ولن توصل إلى حقائق، فالحقائق تضيع بمرور الوقت، وموت الشهود وانتقالهم لأماكن أخرى… من المهم إرسال فريق ميداني من المحكمة الجنائية، تتوفر له الحماية الدولية، فالفرق المحلية تتعرض للقتل، وهناك حوادث كثيرة قُتل خلالها محامون».
وأشار إلى وجود جهات قانونية وحقوقية وراصدين محليين للانتهاكات التي تحدث في البلاد، وفي كل مدن دارفور التي تمتد من الجنينة إلى زالنجي إلى نيالا إلى الفاشر، وأضاف: «هناك انتهاكات من طرفي الحرب، كلهم ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وهناك بينات أُرسلت إلى المحكمة، لكن يجب أن يتم تقنينها وتفعيل بروتوكولات (الجنائية الدولية) المعنية بحماية الشهود وحفظ البينات».