رأي

حين يتحدّث الجلاد وتُصادر مدينة بعلبك بإسم الشهداء

ديما حسين صلح

في الوقت الذي تئنّ فيه بعلبك تحت وطأة الحرمان، وتنتظر من يمدّ لها يد الإنقاذ لا المزيد من الاستغلال، يخرج علينا ممثلو السلطة المسيطرة منذ عقود، متسائلين “ماذا قدّم غيرنا لبعلبك؟”
والسؤال بحدّ ذاته إهانة، لأن من يملكون مفاتيح القرار منذ سنوات، لا يحق لهم أن يطرحوه، بل يجب أن يُحاسبوا عليه.
إنه سؤال الوقاحة في وجه الألم، سؤال الجلّاد في حضرة الضحية.
كأن التاريخ محي، وكأن ذاكرة الناس شُطبت، وكأن بعلبك لم تُسرق على مرأى ومسمع الجميع.
فليُسأل من صادر قرار المدينة ماذا فعلتم غير تزيين الطرقات برايات العزاء والتخوين؟
أين هي مشاريع التنمية؟ أين فرص العمل؟
هل الأمن مستتب أم أن الخوف بات جزءاً من هوية المدينة؟
هل باتت بعلبك حاضنة للعلم والثقافة كما كانت، أم تحوّلت إلى بؤرة للمخدرات، والتهريب، وشبكات التسلّط المدعومة والمرعية؟
أين أنتم من نهضة بعلبك؟
هل شيّدتم مستشفى؟ مدرسة؟ مصنع؟
هل خلقتم بيئة آمنة للنساء والشباب؟
أم اكتفيتم بتجفيف كل منابع الحياة في المدينة، وزرعتم بدلًا منها مراكز ولاء وخراب؟
تُستجدَى الأصوات على أبواب المقابر، ويُتاجر بدماء الشهداء عند كل استحقاق، في حين أنّ الأحياء يُتركون للمجهول، للمخدرات، للفقر، للخذلان.
تُرفع شعارات الكرامة، فيما المدينة غارقة بالإذلال اليومي، الكهرباء غائبة، المياه ملوّثة، البنية التحتية في حالة تحلّل، والمدارس في طور الانهيار.
وحين يُعلن أبناء المدينة عن لائحة بديلة، مدنية، مستقلة، تبدأ حملة التشهير.
كأن التغيير جريمة، وكأن من يرفض الخضوع يُدان.
الذين يتساءلون اليوم عن “الدكاكين الانتخابية”، فليعلموا أن الناس فتحت نوافذ الأمل لأن المتجر الكبير الذي حكم المدينة لعقود أفلس أخلاقياً قبل أن يفلس تنمويًا.
الناس فتحت نوافذها لتتنفّس، بعد أن خُنقت بالشعارات، والرايات، وعبادة الزعيم الواحد.
بعلبك لا تحتاج من يسألها ماذا قدّم الآخرون، بل تحتاج من يعتذر منها أولًا، من يُعيد لها بعضًا من كرامتها المسلوبة، من يصمت احترامًا لجراحها بدلًا من التباهي بالخراب.
كفّوا عن المتاجرة بدماء الشهداء، فلو عادوا اليوم وساروا بين الأزقة، لبكوا ما آلَ إليه حال المدينة التي استُشهدوا لأجلها، ودفنتموها أنتم في قبور الطائفية والتبعية والقمع.
بعلبك اليوم لا تنتخب الخوف، بل تصوّت للكرامة، لا تبايع الفقر، بل تبحث عن مشروع حياة.
إنها تقولها بوضوح كفى.
كفى تهميشًا.
كفى تخويفًا.
كفى دمارًا مغلفًا بشعارات المقاومة.
بعلبك ليست دكانة موسمية، بل مدينة أنثى نزفت كثيرًا، وجُرحت أكثر، وآن لها أن تختار من يُضمّدها، لا من يعمّق جراحها باسم الشهادة والسياسة والسلاح.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى