حول الإعلام والانتخابات ومستقبل العراق

كتب أسامة سرايا في صحيفة بوابة الأهرام.
فى فترة وجيزة، زرت العراق مرتين، الأولى لحضور القمة العربية هناك، والثانية لحضور ملتقى بغداد للإعلام العربى، الذى نظمته «مجلة السيدة الأولى»، ورئيسة تحريرها جيهان الطائى، وكانت تقصد تكريم الصحافة العربية الورقية، وتاريخها وتأثيرها فى المنطقة العربية.
وفى الوقت نفسه يشهد الحضور جزءا من الحملة الانتخابية البرلمانية المحتدمة على مستقبل العراق، واختيار الحكومة الجديدة، «الإعلام والصحافة»، قوة حقيقية لم تتأثر بالهزات الصعبة التى مرت على العراق، أو قل استطاعت التعافى، ويبدو ذلك فى دعم الحكم «لمحطات التلفزة» وللصحف التى تشهد رواجا، ويبدو لى أن العراقيين مختلفون، فهم شعب ما زال يقرأ ويتابع الأحداث ولم يتأثر بما شهدته بلدان الربيع العربى، التى أصيبت صحفها ومحطاتها التليفزيونية، بهزة كبيرة، ويبدو ذلك حتى للقراء والمتابعين لوسائل الإعلام، فهم يقبلون على الإعلام الرمادى أو السطحى القادم من السوشيال ميديا واللغة السطحية التى تسوده أكثر من الإعلام الذى يسمونه القديم أو التقليدى، وهذا يرجع إلى حجم الشائعات واللغة المسفة التى تفشت فى هذه المجتمعات بعد الربيع العربى، أو ما سمى ذلك، وكانت مرحلة قاسية على المنطقة العربية، دفع فيها الإعلام العادى والفنون ثمنا غاليا، أولا لتأثر الاقتصاد، وغياب الإعلانات التى ذهبت إلى مصارف أخرى، فتأثرت اقتصادات الصحف والإذاعة والتليفزيون.
ثانيا، لما تعرض له القارئ والمتابع لهذا الإعلام من أضرار نفسية جعلته غير متابع أو عازفا، أو مكتئبا ومنحصرا مع نفسه، ويبحث عن الإعلام الخارجى أو الموازى، أو الشائعات، ليرضى حالة نفسية خاصة.
يبدو لى من مراجعة الحالة العراقية، أنها خاصة جدا، لذا كان إعلامها التقليدى منتعشا اقتصاديا، لأن جمهوره ما زال ملتفا حوله بقرائه، فصحف وتليفزيونات العراق لها جمهور مميز، فكان تعافيها أسرع من أى بلد آخر.
أما العودة إلى حالة السياسة فى العراق، فنحن أمام انتخابات قاسية لاختيار البرلمان الجديد، فالشارع يموج باللافتات والمؤتمرات الساخنة، فالائتلافات رغم أنها طائفية، ومنقسمة بين السنة والشيعة والأكراد، لكن من الضرورى معرفة المجريات التى تحدث داخل كل طائفة.
والسؤال الذى يطرح نفسه على الانتخابات العراقية، هل الإطار التنسيقى الشامل للطائفة الشيعية التى يختار منها رئيس الحكومة المقبلة، والتنافسات الحادة داخله، جعلته منقسما إلى حد كبير، واتساع رقعة الانقسام يشى بأن مستقبل الإطار التنسيقى فى خطر حقيقى، ولعله بارز فى السباق الحاد بين نورى المالكى، الذى يتحكم فى الطبقة الوسطى العراقية الشيعية إلى حد كبير، وبين تيار مقتدى الصدر، لكن بعض المحللين يرون أن التيار الصدرى سوف يصوت فى الانتخابات حتى لا يؤثر على قوة ومراكز تمثيل الشيعة فى البرلمان، خصوصا فى العاصمة بغداد، وأنه سوف يصب فى مصلحة التحالفات والتيارات التى يقودها محمد شياع السودانى، رئيس الوزراء العراقى الراهن، الذى يدخل الانتخابات متدثرا بمظلة منجز اقتصادى ملموس.
هناك بالطبع تخوفات عراقية عميقة أثارت مناقشات كثيرة، بعد أن عين الرئيس الأمريكى ترامب مبعوثا خاصا للعراق، مما اعتبره البعض اهتماما أمريكيا بالعراق، لكن الأغلبية اعتبرته تدخلا فى الشأن العراقى.
وعلى الرغم من الظروف الصعبة والدقيقة، فإنى أكاد أرى العراق يخرج من أزمته، وسوف يقف على قدميه، ولن يسمح بتدخلات إقليمية أو خارجية تؤثر على نموه وتطوره الاقتصادى.




