رأي

حملة جماعية على زهران ممداني: كارهو الإسلام يستنفرون

أشعل ترشّح زهران ممداني لمنصب عمدة نيويورك، حملة تحريض يمينية شرسة، وسط ذعر في وول ستريت وانقسام ديموقراطي حول صعود التيار التقدمي المناهض لإسرائيل.

كتب خضر خروبي, في الأخبار:

حمل فوز السياسي الأميركي المسلم، زهران ممداني، المتحدّر من أصول هندية، والمعروف بنشاطه المناهض للجرائم الإسرائيلية – ومن وجوهه تعهّده بتنفيذ مذكّرة الاعتقال الدولية الصادرة بحق رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في حال قدوم الأخير إلى مدينة نيويورك -، بترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات عمدة المدينة، نذر تصدّعات عميقة في المشهد السياسي العام داخل الولايات المتحدة.

ولم تقتصر ارتدادات فوز ممداني ضد منافسيه، وأبرزهم عمدة مدينة نيويورك السابق، أندرو كومو، المدعوم إسرائيلياً، ومن قبل كبار سياسيي المدينة ومالكي وسائل الإعلام ووجوه الجناح التقليدي في الحزب الديمقراطي، ممن أغدقوا المال والدعاية لتشويه صورته بوصفه “معادياً للسامية”، على حزب المرشح نفسه، بل تعدّته إلى أوساط الفئة الداعمة لإسرائيل في الداخل الأميركي، وصولاً إلى تصاعد مخاوف قطاع المال والأعمال في “وول ستريت”، ودعوات مشرّعين جمهوريين إلى سحب الجنسية من الرجل.

انقسام ديمقراطي
لاقى النجاح الانتخابي لممداني، ذي الشخصية الجذّابة للشباب والليبراليين على نحو خاص، والناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، في أكبر المدن الأميركية، التي يشكل اليهود قطاعاً واسعاً من سكانها، ردود فعل متفاوتة داخل حزبه، سواء على مستوى السياسيين أو كبار المانحين، بخاصة من قبل التيار التقليدي الذي تعاطى مع النتيجة باعتبارها “انتكاسة خطيرة للمساعي الرامية إلى توسيع قاعدة الناخبين الديمقراطيين، وتجاوز السياسات الأكثر إثارة للجدل التي أبعدت الناخبين المحتملين في الانتخابات الأخيرة”.

وفي طليعة رجالات هذا التيار، لورانس سامرز، الذي شغل منصب وزير الخزانة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما؛ إذ أعرب عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، عن شعوره بـ”قلق عميق في شأن مستقبل (الحزب الديمقراطي) والبلاد” بسبب نتائج مدينة نيويورك، في حين لم يتبنّ ثلاثة من كبار الديمقراطيين في نيويورك، وهم الحاكمة كاثي هوشول، وزعيم الديمقراطيين في مجلس النواب حكيم جيفريز، وزعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر، موقفاً صريحاً من ترشيح ممداني.

أما مات بينيت، وهو المؤسّس المشارك لمجموعة “الطريق الثالث” الديمقراطية الوسطية، فقال إن “انتماء ممداني إلى تيار (الاشتراكيين الديمقراطيين) يُعد خطيراً للغاية”، مضيفاً أن “الجمهوريين عكفوا على استغلال هذا الأمر كسلاح (سياسي)” للتأثير على حظوظ خصومهم في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ولا سيما انتخابات التجديد النصفي العام المقبل، في إشارة إلى الخشية من استغلال خصوم ممداني أفكاره التقدميّة بقصد تشويه صورة حزبه أمام عموم الأميركيين.

وهي الخلاصة نفسها التي ذهبت إليها مجموعة “جمهوريون ضد الترامبية”، التي كانت حليفاً أساسياً للديمقراطيين في انتخابات 2024، حين شدّدت على أهمية رفض الحزب الديمقراطي أي محاولات لربط هوية ممداني العرقية والدينية أو أيديولوجيته اليسارية، بمرشحين ديمقراطيين آخرين أو بالحزب ككل، منبّهة إلى أن مساعي الجمهوريين لتصوير ممداني كـ”وجه للحزب الديمقراطي، من شأنها أن تضر بفرص المرشحين الوسطيين والديمقراطيين على حدّ سواء، في الولايات المتأرجحة”.

أما النائبة الديمقراطية عن ولاية نيويورك، لورا جيلين، فقد حمل موقفها نبرة أكثر فجاجة؛ إذ اعتبرت أنّ “الاشتراكي زهران ممداني لا يصلح لقيادة مدينة نيويورك”، مضيفة أن “حملته الانتخابية بُنيت بأكملها على وعود غير قابلة للتحقيق وضرائب أعلى، وهو آخر ما قد يخطر في بالي”، كما قالت.

في المقابل، قوبلت تلك المخاوف من فوز ممداني، بالسخرية من جانب العديد من وجوه التيار “التقدّمي” داخل الحزب، ممن يعتبرون أنفسهم “كابوس ترامب”، ويتفقون مع توجهات ممداني المناهضة للسياسات المحافظة للإدارة الجمهورية الحالية، والمدافعة عن أهمية التنوع الثقافي والديني في البلاد، والحفاظ على حقوق العمال، بخاصة في نيويورك.

ويرى هؤلاء أن جهود الجمهوريين لجعل ممداني هدفاً مركزياً لحملاتهم الانتخابية، تنمّ عن يأس أكثر منها عن استراتيجية فعّالة، معربين عن قناعتهم بأن انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، والسباق الرئاسي لعام 2028، سيتمحوران حول سياسات ترامب المثيرة للانقسام، وبأن الاستراتيجيين الجمهوريين لن يتمكّنوا من تغيير ذلك مهما حاولوا. ومن أبرز الأصوات التي تحمل تلك القناعة، السيناتور بيرني ساندرز، الذي يُعد إلى جانب ألكسندريا كورتيز، أبرز داعمي ممداني.

وفي تصريح إلى وكالة “أسوشيتد برس”، دعا ساندرز زملاءه الديمقراطيين إلى اتّباع نهج ممداني، معتبراً أن الحملة الانتخابية للأخير “تظهر الاتجاه الذي ينبغي أن يسلكه الحزب الديمقراطي، وهو الاتجاه الذي لا يعني القلق في شأن ما يريده المليارديرات، بقدر ما يعني القلق في شأن ما يريده أبناء الطبقة العاملة”. كما حذّر ساندرز الجمهوريين وداعميهم من المليارديرات من الاحتفال المبكر، قائلاً: “أشخاص مثل ممداني هم أسوأ كوابيسهم”، مشيداً بمزايا الأخير كمرشح نشيط يجيد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وينشر رسالة تقدّمية جريئة حول القضايا التي تهمّ الناخبين.

قلق جمهوري
على المقلب الجمهوري، تعاطى المعسكر الداعم للرئيس ترامب، مع نجاح ممداني، على أنه بمثابة “هبة سياسية” من شأنها تشكيل مسار الانتخابات المقبلة، سواء من منطلق تصوير نجاحات التيار التقدّمي في أوساط قواعد اليمين المحافظ والوطنيين التقليديين كخطر على قيم المجتمع الأميركي، أو من منطلق التركيز على الرجل بوصفه “الزعيم الجديد للحزب الديمقراطي”.

وهذا بالضبط ما حملته تغريدة لنائب الرئيس جي دي فانس، وكذلك مواقف صادرة عن رئيس اللجنة الوطنية الجمهورية في الكونغرس، ريتشارد هدسون، الذي قال إن “الوجه الجديد للحزب الديمقراطي هو اشتراكي معادٍ لإدارة الهجرة والجمارك والشرطة ومعادٍ للسامية”، في إشارة إلى مواقفه الداعمة للفلسطينيين، والمندّدة بسلوكيات الشرطة، معتبراً أن المرشحين الديمقراطيين الآخرين معنيون باتخاذ موقف من سياسات ممداني، وأن عليهم “إمّا أن يعارضوه أو أن يفرضوا سيطرتهم عليه… عليهم أن يكونوا صادقين مع الناخبين”، وفق تعبيره.

تعاطى المعسكر الداعم للرئيس ترامب، مع نجاح ممداني، على أنه بمثابة “هبة سياسية”

وفيما ألمح مستشار ترامب، ستيفن ميلر، بدوره، إلى أن حصيلة الاستحقاق الانتخابي الأخير في نيويورك جاءت نتيجة لتصويت المهاجرين، معتبراً أن “مدينة نيويورك هي أوضح تحذير حتى الآن مما يحدث للمجتمع عندما يفشل في السيطرة على الهجرة”، هاجمت الناشطة اليمينية المتطرّفة، لورا لومير، المقرّبة من معسكر ترامب، ممداني بسبب ديانته، وغرّدت عبر “إكس”، بالقول: “لماذا يكتفي الجمهوريون بوصفه بالشيوعي؟ الأخطر أنه مسلم شيعي وجهادي. لماذا لا يعترفون بأن الإسلام يمثّل تهديداً للغرب؟”. ولعل الهجوم الأقسى جاء من ترامب نفسه، الذي وصف مرشح الحزب الديمقراطي لذلك المنصب بالـ”شيوعي المجنون بنسبة 100 %”. وسخر من صوته ومظهره، واضعاً الأمر في سياق “لحظة فارقة في تاريخ بلادنا”.

مخاوف في وول ستريت: انتهت نيويورك “كما نعرفها”!
وفي موازاة ذلك، ومع تراجع أسهم شركات العقارات المرتبطة بنيويورك، على غرار سهم “Flagstar Financial”، المُقرِض لقطاع الشقق، والذي هبط بنسبة 6.7% خلال الساعات الأولى من إعلان نتائج الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين في المدينة، أثار فوز ممداني مخاوف شخصيات محافظة أخرى، خصوصاً في “وول ستريت”، حيث حذّر الملياردير بيل آكمان من أن الأمر “ينذر بخطر كبير على مستقبل المدينة”، فيما وصف الملياردير ومدير صندوق التحوّط، دان لوب، الحدث بـ”صيف الشيوعيين الساخن”. أما مايكل نيلسون، وهو أحد كبار مسؤولي التوظيف في وول ستريت، فقد كشف أن تقييم عملائه الأثرياء للحدث الانتخابي يشي بأنه “سيكون نهاية مدينة نيويورك كما نعرفها”.

وفي معرض تحليلها للحدث، لفتت مجلة “ذي نيويوركر” إلى أن انتخابات الحزب الديمقراطي الأولية في نيويورك، أفضت إلى “إعادة تشكيل الخريطة السياسية” للمدينة، مشيرة إلى إخفاق الجهود الدعائية التي بذلها خصمه أندريه كومو، بدعم من حلفائه المتموّلين، ومن ضمنهم جماعات ضغط محسوبة على “آيباك” وصحف كبرى، لوصم الرجل بـ”المعادي للسامية”، و”الخيار غير الآمن” لسكان نيويورك، وذلك على خلفية ما حصّله المرشح التقدّمي، حتى في الأحياء التي تقطنها أغلبية يهودية “أرثوذكسية”، على غرار “منهاتن العليا”، إضافة إلى المناطق الواقعة إلى شرق كوينز وجنوب بروكلين، والتي كان يُعتقد بأنها معاقل دعم قوية لكومو.

وأكّدت “واشنطن بوست”، من جهتها، أن احتمال تولّي “مسلم اشتراكي ديمقراطي” منصب عمدة نيويورك سيُقلق الديمقراطيين المؤيّدين للمؤسسة الحاكمة (The Establishment) والجمهوريين المؤيّدين لترامب على حد سواء، مشيرة إلى أنه “في حال فوز ممداني في الانتخابات النهائية، يُتوقّع أن يصطدم مع إدارة ترامب في قضايا عدة، أبرزها حملات قمع النشطاء المؤيّدين لفلسطين، وعمليات الترحيل الجماعي بحق المهاجرين غير الشرعيين”.

وبالحديث عن ارتباط ما جرى في نيويورك بالتحوّلات في نظرة المجتمع الأميركي إلى إسرائيل، على وقع استطلاعات تظهر انخفاض مؤيّدي كيان الاحتلال من الأميركيين إلى قرابة 40%، أشار موقع “موندويس” إلى أن فوز ممداني المعروف بتضامنه مع فلسطين، أثبت أن “الصهيونية لا تعدو كونها نمراً من ورق في سياسة الحزب الديمقراطي”، وأن “استخدام الفزاعات لدعم إسرائيل لم يعد يجدي نفعاً”.

ولفت الموقع الأميركي إلى أن هزيمة شخصية بحجم أندرو كومو، بكل ما يحظى به من دعم في أوساط العائلات السياسية النافذة في الولايات المتحدة، كعائلة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، فضلاً عن وجوه تشريعية ديمقراطية وازنة، وشخصيات أخرى محسوبة على الدولة العميقة (The Establishment) “لا يمكن النظر إليها كحدث انتخابي فحسب، بل كمنعطف تاريخي لفلسطين في الوسط السياسي الأميركي”، جازماً أن فوز ممداني “يعكس التململ المتزايد من دور إسرائيل في الحياة الأميركية وانهيار الصهيونية تدريجياً تحت وطأة أثقالها”، من جهة، وأن “(تأييد) القضية الفلسطينية لم يعُد من المحظورات (السياسية)” في المجتمع الأميركي، من جهة ثانية.

ويتفق محللون أميركيون على أن فوز ممداني، والذي ارتكز على برنامج انتخابي حمل عناوين إصلاحية في قضايا الإسكان وارتفاع الأسعار، وتوسيع خدمات النقل المجاني، وفرض ضرائب عالية على الأثرياء، تمكّن من خلاله من إثارة اهتمام فئة كبيرة جداً من سكان المدينة الذين يرزحون تحت أعباء الغلاء والتهميش، إنما ينبع أيضاً من التحوّلات السكانية وديناميكيات الحراك المناهض للعدوان الإسرائيلي على غزة، بعد أحداث السابع من أكتوبر، بخاصة احتجاجات جامعة كولومبيا في نيويورك، التي تضمّ أكبر جالية يهودية في العالم، وهو ما جعل من مواقفه المناصرة لفلسطين نقطة جذب لحملته أكثر من كونها نقطة ضعف.

وفي الاتجاه نفسه، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”، أن تلك التحوّلات السكانية تتزامن مع تراجع شعبية إسرائيل بشكل ملحوظ في أوساط بعض دوائر الحزب الديمقراطي على خلفية الحرب في غزة، كاشفة أنّ ممداني حصد تأييد ما يصل إلى 20% من الناخبين اليهود الديمقراطيين. وتابعت الصحيفة الأميركية أن هذا المشهد أثار قلقاً واسعاً في أوساط الجالية اليهودية داخل الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، رأت المبعوثة الأميركية الخاصة لمكافحة معاداة السامية، ديبورا ليبستادت، في حديث إلى الصحيفة، أن فوز ممداني يمثّل “ضربة موجعة” للجهات الداعمة لإسرائيل، علماً أن قرابة 70% من الديمقراطيين، ولا سيما الجيل الأصغر سناً ذي التوجهات الليبرالية، لديهم نظرة سلبية تجاه إسرائيل (مقابل 37% فقط من الجمهوريين).

وعن الأبعاد الداخلية والخارجية لفوز ممداني، أشارت وكالة “بلومبيرغ” إلى أن “صعود نجم الرجل يعكس صعود نظرائه التقدّميين في بوسطن وشيكاغو وكليفلاند”، موضحة أن ذلك الصعود “يتبع نمطاً دولياً من أداء الناخبين الساخطين على الوضع الراهن، والذين يلجأون إلى المرشحين المناهضين للهياكل السياسية القائمة، والنهج السياسي التقليدي المتّبع” من رومانيا إلى الأرجنتين، في إشارة إلى موجة عالمية من رؤساء البلديات الذين يواجهون صعود التيارات القومية في بلدانهم، على غرار عمدة لندن صادق خان، الذي تعرّض لحملات تشويه عنصرية عند ترشّحه لأول مرة عام 2016، وعمدة باريس آن هيدالغو، التي دافعت عن أجندتها التقدّمية في مواجهة الشعبوية اليمينية الفرنسية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى