صدى المجتمع

“حمام الثلج” من تحد إلى صيحة.

في الفترة الأخيرة، حقق “حمام الثلج” انتشاراً واسعاً، سواء من خلال التحديات التي يروج له فيها المشاهير أو عبر أماكن معينة تسوق له، بشكل خاص، انتشر تحدي “حمام الثلج” في مختلف دول العالم من خلال مؤثرين ومشاهير سلطوا الأضواء على ما له من فوائد للصحة النفسية والجسدية. واللافت أن هذا التحدي حقق انتشاراً، لا في موسم الصيف فحسب، إنما أيضاً في أيام البرد، والطقس المثلج، وبعد أن أصبح “حمام الثلج” صيحة يروج لها في أماكن عديدة كالنوادي الرياضية والمنتجعات سياحية، تشهد هذه الظاهرة جدلاً بين مؤيدين لها ومن يشيدون بفوائدها من جهة، والمعارضين لها من جهة ثانية لاعتبار أن الجلوس في المياه المثلجة قد يكون خطيراً ويشكل تحدياً على جسم الإنسان عندما يعجز عن تحمل البرودة الشديدة.

ممارسة قديمة جديدة 

في الواقع، تعود فكرة الاستحمام في الثلج للحد من آلام العضلات وللاستفادة على المستوى الصحي إلى عقود مضت، وبشكل خاص، تعد هذه ممارسة قديمة في البلاد الإسكندنافية، من عام 1900. ففيما يفضل معظم الناس الاسترخاء في حمام دافئ في أيام البرد لتدفئة الجسم في العصور القديمة اعتمد “حمام الثلج” في البلاد البادرة، وأصبح من الطقوس التي تعتمدها الشعوب في مواجهة تقلبات الطقس، واستمر سكان المناطق القطبية بمواجهة الاكتئاب في أيام الشتاء عبر الجلوس في المياه المثلجة، وأيضاً للحد من آلام المفاصل والعضلات.

في السنوات العشرين الأخيرة، أصبحت هذه الممارسة بمثابة علاج يلجأ إليه الرياضيون بعد ممارسة النشاط البدني القوي للحد من آلام العضلات ولتحسين الصحة عامة، شيئاً فشيئاً، حققت هذه الممارسة مزيداً من الرواج، بعد أن امتزج دورها العلاجي مع وجودها كصيحة جذبت كثيرين مع انتشارها عبر فيديوهات وتحديات، ثم بعد أن أصبح “حمام الثلج” خدمة لها عشاقها المنتظمين، لبيب حداد، كان أول من أتى بفكرة “حمام الثلج” في لبنان، وبعد أن خاض شخصياً هذه التجربة التي بدت رائعة له، قرر قراءة مزيد عن هذه الممارسة والغوص فيها، خصوصاً أن الدراسات أكدت فوائدها على الصحة الجسدية والنفسية، “هي تجربة جديدة في لبنان جذبت كثيرين. فنحن بأمس الحاجة إلى كل ما ينعكس إيجاباً على صحتنا النفسية في ظل التوتر الذي نعيش فيه، فيما الصحة النفسية من المواضيع المهمشة في البلاد، فيمكن الاستفادة من الأثر الإيجابي لحمام الثلج على المزاج والصحة النفسية بأقل كلفة ممكنة”.

بعد أن عشق هذه التجربة واكتشف فوائدها، أراد حداد تشجيع الناس على ممارستها، فكانت انطلاقة مشروعه في منتجع على شاطئ البحر في منطقة البترون-شمال لبنان. استورد مجموعة من المغاطس المطاطية المناسبة لـ”حمام الثلج”ـ كما استعان بخبرة Wim Hof الهولندي المتمرس في الرياضات القصوى والملقب بـ Icemanـ الذي حطم أرقاماً قاسية عديدة بالتعرض للبرودة القصوى بفضل تدريبات مكثفة خضع لها.

إقبال غير متوقع

لم يتوقع حداد هذا الإقبال الكثيف على الخدمة التي كلفتها سبعة دولارات للجلسة الواحدة ومدتها 12 دقيقة، فكثيرون يحضرون إلى المنتجع خصيصاً من أجل الاستمتاع بـ”حمام الثلج”، بمعدل 40 أو 50 شخصاً يومياً.

ومع ازدياد الطلب عليه، توسع أكثر بالمشروع ليلبي الطلب عليه، واليوم أصبحت هذه الخدمة أكثر انتشاراً مع اعتمادها في بعض النوادي الرياضية.

لا يعد “حمام الثلج” حلاً سحرياً للمشكلات الصحية على المستوى الجسدي، ثمة حاجة إلى جلسات عدة للاستفادة من مزاياه، كالحد من الالتهابات وتسريع نشاط عملية الأيض والدورة الدموية وتسريع عملية تعافي العضلات. في المقابل، يعده أثره في الصحة النفسية مباشراً، ويشير حداد إلى أنه يعتمد لمرضى ADHD والقلق المرضي، فيشعرون بتحسن بعدها كما يساعد على تحسين جودة النوم والمزاج، بما أنه يسهم في رفع مستويات هرمونات السعادة. “من الدقيقة الأولى إلى الدقيقة العاشرة، يمر الإنسان في تجربة “حمام الثلج” بما يشبه حالة التأمل فيما يكون التحسن تدريجي. ويصف كثيرون التجربة بـ”الولادة الجديدة”. لا تتخطى مدة الجلسة 12 دقيقة، وخلالها يشعر من يخوض التجربة باستفادة تدريجية على المستوى النفسي. تكون الاستفادة الجسدية من الدقائق الخمس الأولى، وعلى المستوى النفسي في الدقائق السبع الأخيرة، فيما يتأقلم الجسم أكثر فأكثر مع الحرارة المنخفضة وترتفع معدلات هرمونات السعادة فيه ما يوفر متعة يصعب وصفها”.

تراوح درجة الحرارة في “حمام الثلج” بين 10 و15 درجة مئوية حرصاً على سلامة الكل، فانخفاض الحرارة إلى مستويات أدنى قد يشكل خطراً على البعض. من جهة أخرى، تبرز أهمية التأكد ما إذا كان الشخص الذي يرغب بخوض التجربة يعاني مشكلة صحية معينة كالسكري أو أمراض القلب، تجنباً للخطر، إضافة إلى ضرورة التأكد ما إذا كان قد تناول الكحول.

ومن الشروط الأساسية المطلوبة هنا الدخول في الماء المثلج تدريجاً حتى لا يحصل انخفاض مفاجئ في حرارة الجسم.

يعتمد حداد في خدمة “حمام الثلج” المياه المعقمة ويحرص على تغيير الثلج بعد تجربة كل خمسة أشخاص، ويؤكد أنه يمكن اللجوء إلى “حمام الثلج” يومياً دون مشكلة لأثره الإيجابي في الصحة النفسية والمزاج، في مقابل مبلغ بسيط. في الوقت نفسه، يسهم في زيادة الثقة بالنفس لأن المكوث في الماء المثلج أقرب إلى التحدي لمن يقوم بذلك.

جدل وعلامات استفهام

كثرت التقارير التي أشارت إلى فوائد حمامات الثلج كالشعور بالاسترخاء وتحسين المزاج والراحة بعد مرور لحظات الانزعاج والصدمة الأولى عند التعرض للبرودة الشديدة، وبعد تأقلم الجسم مع درجة الحرارة المنخفضة. كما أظهرت دراسات أنه يساعد على الحد من آلام العضلات وتسريع عملية تعافيها بعد ممارسة التمارين الرياضة القوية. ويحكى عن أثره الإيجابي في جودة النوم، ويحد من الشعور بالتعب ومن الالتهابات، ويسرع عملية التعافي، وأشارت دراسة نشرت في عام 2016 إلى أن “حمام الثلج” يساعد على تعزيز وظيفة جهاز المناعة ما يحد من خطر الإصابة بالأمراض. لكن، توضح اختصاصية طب العائلة الدكتورة غريس أبي رزق أنه ما من دراسات كبرى يمكن الاعتماد عليها لإثبات فوائد “حمام الثلج” بطريقة علمية. فالدراسات التي أجريت حول فوائده للأشخاص العاديين صغيرة ولا يمكن الاستناد إليها. في المقابل، ثمة اعتقاد بأنه قد يؤمن فعلاً شعوراً بالارتياح والاسترخاء بعد اللجوء إليه، كما يساعد فعلاً على تحسين جودة النوم، فيما تتراجع معدلات التعب وتخف الالتهابات، وفق ما يؤكده من خاضوا التجربة.

بحسب أبي رزق، يعتمد أيضاً في إعادة التأهيل لمن يعانون إصابات، تماماً كما قد تعتمد مكعبات الثلج لدى التعرض لإصابات، خصوصاً للرياضيين الذين يضعون الأقدام في الثلج لمدة 15 دقيقة كل ساعتين.

في المقابل، ثمة أشخاص يجب أن يكونوا أكثر حرصاً قبل خوض هذه التجربة، كما بالنسبة إلى من يعانون Syndrome De Raynaud الذي يعانون مشكلة في الأوعية الدموية في القدمين واليدين، ويكونون عرضة لتضيق الأوعية الدموية الي يحصل لدى التعرض للماء المثلج فيشكل خطراً عليهم عندما يبطئ دفق الدم في الجسم.

كذلك بالنسبة إلى مرضى السكري الأكثر عرضة للإصابة بالتقرحات عند التعرض للبرودة الشديدة كونهم يعانون خللاً على مستوى الأعصاب. ويعاني البعض أيضاً حساسية على البرد أو ضعفاً في الإحساس على مستوى الأعصاب، فيفضل ألا يلجأوا إلى “حمام الثلج”. وينطبق ذلك على مرضى القلب لأنهم قد يكونون عرضة للإصابة بذبحة قلبية في حالات معينة.

أما بالنسبة إلى بقية الأشخاص، فتشدد أبي رزق على:

 – عدم تخطي مدة 10 أو 15 دقيقة

 – ألا تنخفض حرارة المياه إلى ما دون 15 درجة مئوية

– الدخول إلى الماء تدريجاً بدءاً من القدمين، حتى يتأقلم الجسم شيئاً فشيئاً مع البرودة الشديدة ولتجنب الصدمة في الجسم

كما ينصح الرياضيون باللجوء إلى “حمام الثلج” مباشرة بعد ممارسة الرياضة، شرط الدخول إلى الماء أيضاً بطريقة تدريجية.

ويبقى الحرص ضرورياً عند القيام بهذه الممارسة، فإذا كانت الشعوب الإسكندنافية وغيرها من الشعوب في المناطق الباردة تلجأ إليها في أي وقت فهي معتادة على درجة حرارة مماثلة، فيما لا يمكن تعميمها والقيام بها عشوائياً في أي مجتمع كان.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى