“حماس” واللحظة القومية (1)
كتب محمد علي مقلد في صحيفة نداء الوطن:
«اللحظة القومية العربية» كتاب للدكتور شارل رزق (دار النهار للنشر) منه اقتبسنا عنوان المقالة. هي لحظة طولها ثلاثة أجيال على الأقل، قصفت أعمار كثيرين من روادها، وشهدت تدميراً وتشريداً وتهجيراً لأوطان وشعوب. لكنها في حسابات الزمن لحظة من التاريخ.
قد لا يرضي بعض المتزمتين الدينيين أن تكون برهة الإسلام السياسي جزءاً من الزمن القومي، غير أنّ أوجه الشبه بين أحزاب تلك اللحظة أجازت لنا تجميعها تحت مسمى واحد هو «أحزاب الله» وجعلناه عنوان كتاب(توزيع دار النهار)، ويمكن أن نطلق عليها، على تعدد أسمائها، «الأحزاب القومية» أو إسم أي منها.
هذا في حساب الجملة، إذ تتشارك كلها في ثلاثة أمور أساسية، موقفها السلبي من دولة القانون والمؤسسات والسلبي أيضاً من الديمقراطية ومن قيام الأوطان. أما في المفرق فخلافات غامضة، أو واضحة وتم طمسها، كتلك التي تبرز حيناً بين تنظيمات الإسلام السياسي أو التنظيمات القومية أو اليسارية، ثم يختفي جمرها تحت الرماد، مع أن المصدر الفكري لكل منها واحد، إلى أن ظهر كتاب شارل رزق ليقدم سردية جديدة كل الجدة عن تاريخ هذه اللحظة.
كمال الصليبي كان قد قدم سرديته في كتابه، التوراة جاءت من جزيرة العرب، غير أن المسؤولين عن اللحظة القومية حاولوا إغراءه بمبلغ مالي كبير لكي يحجم عن نشره، حرصاً منهم على عدم المساس بسرديتهم الموحدة، ونجحوا في حصر مفاعيل الكتاب داخل حرم الجامعات أو في أوساط المهتمين من المثقفين. فهل سيلقى كتاب شارل رزق مصيراً مشابهاً؟
أغلب الظن أن حرب غزة ستفرج عن كل الروايات. يقول محمد الهاشمي، على منصات التواصل، أن اليهود هم من سكان غزة الأصليين، وأن عددهم في فلسطين بلغ، في عام 1919، حوالي 110 آلاف نسمة. ومن غير أن ينفي دور بريطانيا المنحاز، ذكر أنها وضعت قيد التداول، حتى عام 1952، عملة فلسطينية مسكوكة بالعربية واللاتينية والعبرية. على المنصات أيضاً ذكر جورج كتن أن مصر والأردن عارضتا، أيام النكبة، تشكيل حكومة تنطق باسم فلسطين لمواجهة أزمة الاستيطان المرعية إنكليزياً.
إنكلترا تآمرت والصهيونية اغتصبت، لكن مسؤولية «اللحظة القومية» لم تكن ثانوية. إذا كانت الدول العربية قد التزمت قضية فلسطين، يقول رزق، «فليس من أجل إفشال المشروع الصهيوني، بل لكي يقطع بعضها الطريق على بعضها الآخر، وبدلاً من أن تصبح فلسطين مسرحاً لمواجهة عربية صهيونية، تحولت إلى ساحة خلافات بين العرب». الأمم المتحدة اعترفت بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني، لكن، لا النظام السوري اعترف ولا المنظمات الإسلامية. أما اعتراف حماس بعد حرب غزة فهو مناورة مكشوفة لطلب وقف النار.
لم يكن هم الجيوش العربية، أيام النكبة، القضاء على القوات الصهيونية بل احتلال القسم الأكبر من الأراضي التي ألحقها مشروع التقسيم بالمنطقة الفلسطينية. لذلك تطابقت مصالح الصهيونية واللحظة القومية، بحسب رزق «على إلغاء الكيان الفلسطيني العربي وتنفيذ مشروع التقسيم كل لمصلحته». أليس بهذا الدافع ذاته اعترضت قوى الممانعة على قرارات مؤتمر القمة العربية الإسلامية الأخير؟ المرة الأولى مأساة أما الثانية فمهزلة.
الأمير فيصل قائد الثورة العربية الكبرى تعهد لوايزمان، بحسب رزق أيضاً، بالتطبيق التام لوعد بلفور. على هذا تأسست اللحظة القومية، فماذا ينتظر أن تكون خاتمتها؟ بدايتها هوس فيصلي بالسلطة لا حباً بالوحدة، وختامها حلم بتوحيد الموقف الفلسطيني والعربي والإسلامي وراء حماس.
ليست حماس، وكذلك كل حزب من أحزاب هذه المرحلة، سوى برهة داخل اللحظة القومية العربية.