حكم لبنان صعب
كتب لويس حبيقة في “اللواء”:
يصعب حكم لبنان في أوضاعه الحالية الدستورية والسياسية والمؤسساتية والأخلاقية مما يؤثر سلباً على الاقتصاد في نموه وتنوعه واستمراريته. مشكلة لبنان هي دستورية مؤسساتية سياسية تنعكس سلباً على الاقتصاد والمال والنقد. نحاول حل كل مشاكلنا العميقة عبر السياسة النقدية التي يديرها مصرف لبنان وهذا مستحيل. يستطيع مصرف لبنان فقط تخفيف الأوجاع وليس معالجة الجرح اللبناني الواسع الذي يمتد من الدستور الى السياسة. فالممارسة السيئة والأخلاق المتردية والنوعية الادارية الدنيا تعيق جميعها الانقاذ والتطور. عبثاً نحاول حل مشاكلنا عبر القرارات السهلة التي ربما تخفف الوجع لكنها حتما لا تعالج الأسباب. دستور الطائف وضع بعد الحرب اللبنانية لكنه لم يعالج مواضيع آليات الحكم والعلاقة بين السلطات. تكمن المشكلة داخله بالاضافة الى التقصير في الممارسة.
مشاكل الدستور كثيرة وكبيرة، لكن أهمها انه يخلق العقد ويعزز الخلافات بين المسؤولين مما يفسر الوقت الكبير الضائع لتأليف الحكومات وصعوبة اتخاذ القرارات ووضع التعيينات. البلد معطل ليس فقط بسبب السياسيين وانما بسبب الآليات الرسمية الضبابية التي تعطل كائنا من كان في السلطة. آليات حل المشاكل غير واضحة بل تعقد الأمور. جاءت بدعة تعطيل مجلس الوزراء اذا تغيب مذهب وليس طائفة عن الاجتماعات، فتتعطل الدولة كلها. الميثاقية مرتبطة بالطائفة وليس بالمذهب والا دخلنا في حلقة مفرغة مضرة. تغيُّب ممثلي طائفة معينة عن الاجتماعات بسبب تحقيق مرفأ بيروت، فتوقف مجلس الوزراء عن الاجتماع وزاد انهيار البلد. من الممكن ولأسباب أخرى أن يتغيب ممثلو مذهب آخر فتتعطل الدولة مجددا. آخر ما نريده في لبنان هو التعطيل وأكثر ما نريده هو العمل ورفع الانتاجية.
عندما يصدر وزير الخارجية بيانا بموضوع السياسة الخارجية تقوم القيامة على دور الوزير ومحتوى البيان ويكاد هذا الوزير يطعن في صدقيته. لا يتم التركيز على محتوى البيان بل على كيف صدر ولماذا ومن أعطاه الصلاحية وغيرها من الأسئلة التي تحمل الكثير من التجني والقليل من الموضوعية. وما جرى مع هذا الوزير في موضوع معين يمكن أن يحصل مع آخر في مواضيع أخرى. عندما أخذ وزير ما موقفا معينا ربما خاطئ أو عكس قناعاتنا قبل توليه السلطة، يعاقب بالاستقالة. يمكن أن يحصل نفس الشيء مع شخص آخر بمواقف مختلفة. لذا تقوم الدول الغربية بدراسة تاريخ أي شخص قبل تعيينه في مركز عام تفاديا للوقوع في مشاكل مماثلة. اذا حاسبنا كل السياسيين اللبنانيين على كافة التصاريح والمواقف التي يقومون بها قبل تسلم المسؤولية أو خلالها أو بعدها والتي تتغير أحيانا 180 درجة من دون عناء بين ليلة وضحاها، ربما لا يبقى أحد في السلطة. جنون السياسة اللبنانية يضر ليس فقط بالسياسيين بل يجعل أي انسان يفكر عشرات المرات قبل أن يدخل في المنافسة السياسية. فعلا نعيش في أوضاع غير مضبوطة القواعد والمفاهيم والعلاقات والمعايير.
تعيين السفراء أو أعضاء مجالس الادارة أو أعضاء لجان الرقابة والاشراف على القطاعات وغيرها يعتمد على كل الشروط الا معايير الكفاءة والنزاهة والصدقية. حتى اليوم نحن كمجتمع غير قادرين على الالتزام بالمهل حتى في ما يخص الانتخابات النيابية والرئاسية. فقط التعطيل في الأعياد لا خلاف عليه، علما ان عدد هذه الأيام ربما هو الأعلى في العالم في وقت انتاجية اقتصادنا من الأدنى عالميا. أسوأ أنواع القيادة في كل حال هي القيادة الجماعية أي الجميع داخل الحكم، لا معارضة ولا موالاة وهذا عجيب ويؤدي الى غياب المحاسبة. حتى مع الحكومة الحالية وبوجود معارضة إسمية، لا تعمل واجباتها كما ينتظر منها اللبنانيون. غض النظر وعدم الموافقة سراً هما ليسا بالمعارضة بل ربما بالموافقة الصامتة.
كل هذه الشوائب الجنونية تمنع علينا عملياً اقرار موازنة في مواعيدها الدستورية حتى من دون قطع حساب. ما زلنا لأسباب أو أخرى غير قادرين على انتاج موازنات فاعلة هادفة واضحة ضمن رؤية صائبة في مواعيدها الدستورية بالرغم من كل المؤتمرات الصحفية والتصاريح والمغالاة في القيام بالواجب العادي جدا. حتى القوانين الجيدة التي أقرت في زمن البحبوحة أي قبل 1975 نحاول تغييرها لأنها تزعج، اذ المطلوب وضع القوانين التي تعجب المسؤولين وتعطيهم الحرية في التصرف. في كل المواضيع بما فيها التنقيب النفطي والعلاقات الخارجية نحن مختلفون على الكثير وليس بالضرورة على الأهم وحتى ليس على المهم، بل معظم الأحيان مختلفون على التفاصيل ونرفض مواجهة الحقيقة لمصلحة اللبنانيين.
ما زلنا مختلفين في لبنان على حقوق المواطن أي على حقوق المرأة والطفل كما على حقوق العمالة الأجنبية وهذه جميعها ليست تفاصيل، بل مرتبطة بالثقافة والتاريخ والتربية والتعليم. لا يمكن لنظام أن يستمر في ظل سلطات ضائعة ومسؤوليات ضبابية، وكلما توضح شيء ما نعمل كل جهدنا لتدميره أو لإدخاله في الصراعات الداخلية. كل مجالسنا ولجاننا لا تعمل كما نشتهي والمشكلة ليست فقط بالأشخاص وانما خاصة بالانظمة الذي تعاقب المستقيم والكفؤ وتعزز دور المتلاعب بالقوانين والأعراف والقواعد.
لا يمكن في لبنان أن نتقدم في ظل الأنظمة الحالية وممارستها. هذا يدعو الى الصراحة وأن لا نتخفى وراء المذهبية لرفض التغيير. الواجب تحديد الصلاحيات أكثر حتى لو اضطرينا الى ترك المذهبية أو ربما المداورة بها. اعطاء صلاحيات لأي مركز يفسر مباشرة بأنه تمييز لمذهب على الآخرين وهذا لن يقدمنا. اذا كانت المداورة مع صلاحيات كما في الدول التي تسير أعمالها وأعمال المواطنين مفيدة، فلتكن اذ ما أهمية موقع اذا كان مشلولا بسبب القوانين أو سوء الكفاءة أو الجهل. في كل الدول، عندما تتعقد الأمور يلجأ الى الحلول فتجرب واذا لم تنجح، تغير مجددا. في لبنان نعلم جميعا أن الأوضاع سيئة وأن آليات الحل تعقد بدل أن تسهل ولا نجرؤ على وضع الحلول لأن المصالح المذهبية والطائفية تسبقنا. من هنا وجب أن نكون جريئين لمواجهة الواقع ولا نساير بعضنا البعض أي لا نغش بعضنا البعض لأن هذا يؤخرنا وسيؤخرنا أكثر.
يتأثر الاقتصاد اللبناني سلباً بكل ما يحصل في السياسة، خاصة وأن مشاريع الحلول لم نبدأ بها بعد، فإلى أين نحن ذاهبون؟ لم يكن لبنان كذلك قبل 75، وحتى خلال الحرب كانت هنالك آليات سمحت بالتقدم المؤقت. الا أن الدائم الذي أتى مع «الطائف» عقد الأمور الى حدود أصبح التغيير واجبا وربما الانتخابات القادمة تساعد.