حقوق الإنسان في مصر: هل يعود «الشيك على بياض»؟
كتبت “القدس العربي” في افتتاحيتها: “في خطوة إضافية تظهر مدى استهتار السلطات المصرية بالحريات العامة وحقوق الإنسان، أصدرت محكمة جنح أمن الدولة أحكاماً بالسجن 4 إلى 5 سنوات مع غرامات مالية على الناشط والمدون علاء عبد الفتاح والمحامي الحقوقي محمد الباقر والصحافي والمدون محمد إبراهيم رضوان. ومن المعروف أن هذه محكمة طوارئ تستند إلى قوانين الإرهاب واعتادت توجيه اتهامات ذات طابع تعميمي غامض مثل تعطيل أحكام الدستور ومنع السلطات العامة من ممارسة أعمالها، وأحكامها باتة وقاطعة وغير قابلة للاستئناف. وأفاد شهود عيان بأن المحكمة لم تكترث حتى بالمظاهر الشكلية للمحاكمات، فلم يظهر القضاة على المنصة، ولم يُجلب المتهمون إلى قفص الاتهام، وغاب الادعاء والدفاع، واقتصر الأمر على موظف تلى الأحكام باختصار شديد غابت عنه الحيثيات والموجبات.
معروف كذلك أن حالات هؤلاء الناشطين، خاصة علاء عبد الفتاح، ليست شبيهة بغالبية الحالات الأخرى لمعتقلين وموقوفين في الحبس الاحتياطي وخاضعين لاتهامات مماثلة، إذ غلب على زجهم في السجون طابع الانتقام والتنكيل والتعذيب والترهيب، فسُجنوا في زنازين ضيقة سيئة التهوية، وحُرموا من التريض أو حيازة مواد القراءة أو لقاء ذويهم أو حتى تلقي التطعيم ضد كوفيد -19 أو الحصول على كمامات ومواد مطهرة. كما مُنع محاموهم من تصوير ملفات القضايا المرفوعة، وطُولبوا بقراءتها أثناء الجلسات فقط، وجرى تجاهل عشرات الشكاوى التي رفعها المحامون بالنيابة عن موكليهم أو بالأصالة عن أنفسهم ضمن إطار ممارسة واجباتهم المهنية.
وهذه الأحكام الأخيرة هي الدليل الأحدث على زيف القرار الذي أصدره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وقضى بعدم تمديد حالة الطوارئ، وأن الهدف الأكبر من ورائه كان استرضاء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والجهات الدولية المانحة للمساعدات من باب الإيحاء بأن ملف حقوق الإنسان في مصر يتحسن باضطراد. ذلك لأن النظام لجأ على الفور إلى صياغة سلسلة مشاريع تستهدف إدخال تعديلات على قوانين سابقة، خاصة في ميادين حماية المنشآت ومكافحة الإرهاب وإفشاء اسرار الدفاع، بما يجعل أحكام الطوارئ سارية المفعول عملياً تحت تسميات أخرى.
وبهذا المعنى يمكن فهم الرد الدبلوماسي اللبق الذي صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية، واكتفى بالإعراب عن «خيبة أمل» إزاء الأحكام الأخيرة، والتشديد على أن العلاقات المصرية ـ الأمريكية يمكن أن «تتحسن مع التقدم في مجال حقوق الإنسان». وهذا بعيد كل البعد عن مواقف المرشح الرئاسي جو بايدن الذي غرد ذات يوم: «الاعتقال، والتعذيب، ونفي النشطاء أو تهديد عائلاتهم ليس مقبولاً. لا مزيد من الشيكات على بياض إلى دكتاتور ترامب المفضل». والنقد الخجول للأحكام الأخيرة يتنافى مع تشجيع واشنطن انعقاد مؤتمر المناخ الدولي المقبل في مصر، وتعليق صرف 130 مليون دولار من أصل 300 مليون أوصى الكونغرس أن يرتبط صرفها بتحسن أوضاع حقوق الإنسان في مصر.
ولن يكون مفاجئاً أن تستأنف إدارة بايدن صرف الشيكات على بياض لنظام السيسي، وليس ضرورياً هنا أن يكون المستلم هو المفضل أو الأقل تفضيلاً.”