خاصأبرزرأي

حظر التعامل مع “القرض الحسن” يثير القلق

حسين زلغوط
خاص_ “رأي سياسي”:

في خطوة وُصفت بـ”المفصلية”، أصدر مصرف لبنان امس الأول تعميمًا يحظر بموجبه على المصارف والمؤسسات المالية المعتمدة التعامل مع أي جهة مالية غير مرخّصة، وفي مقدمتها جمعية “القرض الحسن”، التابعة لحزب الله. وجاء القرار ضمن سياق جهود الحكومة اللبنانية للخروج من “اللائحة الرمادية” التي وضعتها فيها مجموعة العمل المالي الدولية (FATF) بسبب ثغرات في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وبينما رُحّب بالقرار دوليًا باعتباره “إشارة إيجابية” نحو إصلاح القطاع المالي، أثار القرار قلق آلاف المودعين الذين كانوا يعتمدون على جمعية “القرض الحسن” كمصدر تمويل حيوي، بل وكنافذة اجتماعية بديلة في ظل شلل النظام المصرفي اللبناني منذ عام 2019.
بحسب بيان مصرف لبنان، فإن القرار “يهدف إلى حماية سلامة النظام المالي ومنع المؤسسات غير الشرعية من منافسة النظام المصرفي الرسمي”، مشيرًا إلى أن التعامل مع جمعيات غير مرخصة يعرض المصارف إلى المخاطر القانونية الدولية، خصوصًا مع تنامي الضغوط الأميركية والأوروبية لحظر تمويل أي جهة مدرجة على لوائح العقوبات.
في المقابل فإن جمعية “القرض الحسن”، التي تأسست في الثمانينات وتوسعت خلال السنوات الماضية، تُعد من أبرز مؤسسات التمويل غير الربحي العاملة في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، ويُقدّر عدد المستفيدين من خدماتها بعشرات الآلاف.
وقد أثار القرار سلسلة من ردود الفعل الشعبية، خصوصًا في الأوساط التي اعتادت الاعتماد على “القرض الحسن” كمصدر للتمويل الحلال، الخالي من الفوائد. وفي ظل فقدان الثقة بالبنوك التجارية، لجأ كثير من اللبنانيين، لا سيما في الضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب، إلى إيداع أموالهم في هذه الجمعية.
ويخشى المودعون أن تُصبح أموالهم غير قابلة للتحويل أو السحب في حال قطعت الجمعية صلتها بالنظام المالي كليًا، خصوصا ان هؤلاء يرون أن القرار “مسيس”، ويخدم ضغوطًا خارجية لا تراعي ظروف الناس.
في المقابل اعتبر الموفد الاميركي الى لبنان طوم برّاك القرار بأنه”خطوة استراتيجية ضرورية لإقفال ثغرات تمويل حزب الله”، مشيرًا إلى أن على لبنان إثبات جديته في مكافحة الاقتصاد الموازي الذي “يغذي الفساد والميليشيات”.

لكن هناك من يحذر من انعكاسات القرار على الطبقات الفقيرة، خصوصًا في ظل غياب بدائل تمويلية مرنة.
يرى هؤلاء أن القرار سيساهم في تقليص حجم الاقتصاد الموازي، لكنهم في الوقت نفسه يحذّرون من ازدياد التعاملات النقدية خارج النظام المصرفي الرسمي، ويؤكدون انه يفتقر إلى خطة موازية لحماية الفئات المتأثرة، معتبرين ان المطلوب الآن ليس فقط الحظر، بل توفير بدائل عادلة وآمنة للمواطنين الذين وجدوا في جمعية القرض الحسن مظلة دعم إنساني.
لا شك ان قرار مصرف لبنان يشكل خطوة قد تُسهم في كسب ثقة المجتمع الدولي، لكنه يفتح الباب على معركة اجتماعية داخلية، يدفع ثمنها المواطن العادي. وفي ظل استمرار الشلل في النظام المالي، وانهيار الخدمات العامة، يبدو أن اللبنانيين يجدون أنفسهم مرة أخرى في قلب أزمة: بين مطرقة الإصلاح وسندان الواقع.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى