«حسابات الحرب».. القادم أخطر!
كتب عوني الداوود في صحيفة الدستور.
مخطئ جداً من يصدّق كل ما يسمعه أو يقرأه من أخبار للحكم على واقع ما يجري في الميدان أو داخل الغرف المغلقة المتعلقة بالحروب، وخير شاهد على ذلك الحرب على غزة التي دخلت شهرها العاشر، ونحن في اليوم الثاني بعد الثلاثمئة.
الحرب حروب.. فظاهرها حروب عسكرية ودبلوماسية وسياسية تغطيها حروب اعلامية وتزيد من وطأتها حروب اقتصادية، لكن كل تلك الحروب تغطي على الحروب الأخطر وهي الحرب الاستخباراتية والاستراتيجية التي تخطّط لما هوأبعد وأخطر بكثير مما نسمع ونقرأ -بل ونشاهد – في كثير من الاحيان.
الدلائل عمّا أقول كثيرة.. آخرها أن اسرائيل -وحتى تبرّر مخططها باغتيال القائد العسكري في حزب الله «فؤاد شكر» وتضرب الحزب في عقر داره، وحتى لا تظهر نفسها معتدية، جعلت من جريمتها «ردّة فعل» على فعل كاذب من تدبيرها، فقصفت «مجدل شمس» في الجولان المحتل، وألصقت التهمة بحزب الله لتضرب أكثر من «عصفور بحجر» وتختلق فتنة بين حزب الله والدروز في مجدل شمس الذين كانوا أكثر فطنة من أن تنطلي عليهم الحيلة، ولذلك رفضوا استقبال مسؤولين اسرائيليين جاؤوا لمواساتهم.
اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في العاصمة طهران، تم وفقا لحسابات دقيقة من حيث الزمان والمكان، ولذلك تنشغل اليوم «الحرب الإعلامية» في تفاصيل كيف تمت الحادثة ولكل رواية أهدافها، فايران وحماس تقولان إنه استهدف بصاروخ من «خارج إيران»، في حين الاعلام الاسرائيلي -واسرائيل لم تعترف رسميا باغتياله لاعتبارات متعددة -يقول إن هنية استهدف بصاروخ من داخل ايران (حتى تنفي التهمة عن اسرائيل أو تظهر ضعف الامن الايراني، وأنّ اسرائيل قادرة على اختراق أمنها)، أما روايات الاعلام الامريكي فقالت إن هنية اغتيل بعبوة ناسفة وضعت في مقر اقامته منذ شهرين وتم تفجيرها في الوقت المحدد!
كل رواية «إعلامية» لها حسابات (استخباراتية واعلامية) وتقوم على أساسها حسابات الرد العسكري.. وكل الدنيا باتت تنتظر الآن الرد الايراني ورد حزب الله، وهل سيكون ردّا مشتركا أو ردّا منفردا «ومنسّقا» في نفس الوقت؟
بالرجوع الى موضوع «الحسابات» لا بد من العودة قليلا الى الوراء وتحديدا زيارة رئيس الوزراء نتنياهو الاخيرة لواشنطن التي حقّق خلالها نجاحا استغل فيه تسابق الحزبين الديمقراطي والجمهوري على كسب رضاه ومن خلاله كسب اللوبي اليهودي الفاعل في الانتخابات الامريكية التي بقي عليها نحو ثلاثة أشهر.
فلأول مرّة في الانتخابات الامريكية يكون ملف الصراع الاسرائيلي الفلسطيني بهذه القوة المؤثرة في نتائج الانتخابات وتحديدا في الولايات التي تحدث فرقا بالنتائج وهي نحو ست ولايات متأرجحة، وفيها أقليّات من أصول عربية واسلامية وافريقية وآسيوية ولاتينية وجميعها أثبتت الاستطلاعات رفضها وسخطها لأداء الادارة الامريكية الديمقراطية ولذلك فسوف تصوّت هذه الولايات للجمهوريين حتى ولو كان المرشح هو ترامب.
من هنا ضغط الديمقراطيون «الكبار» على الرئيس بايدن وأقنعوه بالعدول عن الترشح انقاذا لما يمكن انقاذه وترشيح كامالا هاريس رغم وجود من هو أقوى منها في الحزب لكنها ولكثير من الاعتبارات الاقدر على اعادة أصوات المحافظات المتأرجحة وقد أثبتت الاستطلاعات الأولية ذلك.
أعتقد أن «حسابات الحرب» تغيّرت تماما بعد زيارة نتنياهو لامريكا فصار السباق بين الديمقراطيين والجمهوريين بضرورة احراز انتصار لامريكا واسرائيل قبل الانتخابات.. انتصار يرفع أسهم نتنياهو وأسهم الديمقراطيين ويجنّبهم مزايدات ترامب الجمهوري الذي اتهم بايدن بأنه «فلسطيني سيئ» رغم كل ما قدّمه بايدن من دعم لاسرائيل في حرب الابادة ضد غزة.
حسابات الحرب توجهت نحو الحرب الاستخباراتية لتحقيق صورة نصر لاستخبارات اسرائيلية مدعومة من مخابرات امريكية كلاهما فشل يوم 7 اكتوبر لتعود له النشوة بعد عشرة اشهر على الحرب.
الردّ على اغتيال»هنية» من ايران واغتيال «شكر» من حزب الله لكلّ حساباته، وفيها يدخل «الملف الايراني»، والقرار 1701 مع لبنان وحسابات أخرى، لذلك معظم التوقعات تقول إنّ «حسابات» الردّ معقّدة لكنها ستكون مدروسة بحيث تعيد الهيبة لايران ولحزب الله ولكن لا تجبر اسرائيل «للرد على الرد» ومن هنا وجهت اسرائيل خطابا بالامس بانها ستضرب اذا تم توجيه ضربة لمدنيين، وكأنها تقول لا بأس اضربوا منشآت عسكرية -تماما كما حدث حين اغتيل سليماني وردّت ايران بقصف قاعدة عسكرية امريكية في العراق كانت خالية من أي أحد قبل ضربها بساعات-!
باختصار: الحرب تأخذ ابعادا تصعيدية خطيرة وبحسابات دقيقة ومعقدة.. لكلّ طرف حساباته المختلفة عن الآخر فالديمقراطيون يريدون نجاحا في الانتخابات ونتنياهو يريد عمرا أطول في مواجهة المعارضة، وايران تريد ملفا نوويا آمنا مع الديمقراطيين، وحزب الله يريد لسلاحه أن يبقى مهيمنا لبنانيا واقليميا.. وهكذا.
لكن الخشية أن يحدث خطأ في «الحسابات» يعقّد المشهد خصوصا اذا تقاطعت الحسابات مع مصالح اقليمية ودولية أكبر.