حروب الخوارزميات
كتب د. ضاري عادل الحويل في صحيفة القبس.
لم تعد الحروب التقليدية كافية في عصرنا المتسارع والمتخم بالتكنولوجيا الرقمية، حيث تشهد حروب اليوم صولات وجولات سيبرانية متقدّمة تدور حول الخوارزميات الذكية في مسرح عمليات الحرب. وبينما تتسابق، بل وتتصارع الدول ومؤسساتها والقوى الفكرية المختلفة من أجل التسلّح والهيمنة والسيطرة في معارك موازية تدور في الفضاء الافتراضي، شهدنا، ونعتقد أن الأمر سيستمر كذلك، الهجمات السيبرانية المتتالية بين مجاميع من المحاربين السيبرانيين من أطراف متعددة، يقاتلون عبر الأثير الرقمي لمصلحة دولة معينة، أو قضية، أو سياسة، أو حتى رأي. ومع تزايد هذه الهجمات السيبرانية، نرى اهتماماً واضحاً وملموساً في تطوير تقنيات الأمن السيبراني والتشفير والذكاء الاصطناعي.
تعتبر حروب الخوارزميات تحدياً مستمراً يتطلب التفكير الاستراتيجي والتقدّم المستمر في مجالات متنوعة. يمكن لهذه الحروب الرقمية أن تسبب أضراراً هائلة على الاقتصادات، حيث يتم تعطيل الأنظمة المالية الرقمية والتجارة الإلكترونية، بل وشلّها على المستوى الوطني. كما يمكن أن تتعرّض الأنظمة الحيوية كالكهرباء والماء للهجمات الرقمية، مما يشكّل تهديداً كبيراً على الأمن الوطني.
أحد أبرز التحديات في هذه الحروب الرقمية هو أمان البيانات، حيث يتعيّن على الدول والمؤسسات حماية بياناتها ومعلوماتها الحساسة من التهديدات المستمرة، من خلال ترسانة الخوارزميات المعقّدة، أصبح بالإمكان تشفير البيانات تارة وكسر هذا التشفير تارة أخرى. كما يتوجّب تحديد كيفية جمع واستخدام البيانات المطلوبة فقط دون التوسع، وليكن ذلك جزءاً أساسياً من استراتيجيات الأمان المعلوماتي لتجنّب اختراق البيانات.
في مجال الذكاء الاصطناعي، تتنافس الدول والشركات لتطوير خوارزميات ذكية قادرة على تحليل كميات ضخمة من البيانات واتخاذ قرارات دقيقة. لكن تقابل هذا التطوّر أيضاً هجمات ومحاولات للتأثير في خوارزميات الذكاء الاصطناعي من خلال ضخ «الهراء» و«السموم» الرقمية، إن جاز التعبير، للتأثير في المدخلات، وبالتالي تغيير النواتج، وعلى صعيد آخر، ومن غير حوكمة لخوارزميات الذكاء الاصطناعي، قد ينجح المعتدون في تغيير آليات عمل الخوارزميات نفسها، وبالتالي التلاعب بالنواتج والتأثير فيها.
يجب أن نتذكّر أن هذه الحروب ليست خالية من التحديات الأخلاقية. فالاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي يطرح أسئلة حول الخصوصية، والعدالة، وتأثير التكنولوجيا على المجتمع، ومستقبل الوظائف، ويتطلب الأمر توجيه الجهود نحو تطوير خوارزميات ذكية بطريقة أخلاقية ومستدامة. كما أن الأمر يتطلب غرس ثقافة المواطنة الرقمية الصالحة، وفي مراحل مبكّرة في المدارس والمعاهد ومؤسسات التعليم العالي.
لا مفر من التعايش مع ما نشهده في الميادين السيبرانية، حيث يشكل ذلك جزءاً لا يتجزأ من تقدمنا التكنولوجي، لكن يبقى السؤال المهم: ماذا أعددنا لحروب الخوارزميات؟