حرب غزة تحدد مصير الميليشيات والداعمين لها
كتبت كاميليا فرد انتخابي في إندبندنت.
تستمر الحرب بين “حماس” وإسرائيل منذ أكثر من شهر ولم تصل جهود إقرار الهدنة إلى نتيجة رغم مطالب مستمرة من المسؤولين العرب والمجتمع المدني في أنحاء العالم من أجل وقف إطلاق النار.
الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الغربيون يتفقون مع إسرائيل في القضاء على “حماس” وسط محاولات للوصول إلى هدنة تستمر لساعات.
ويضع الساسة الغربيون القضاء على “حماس” ضمن أولوياتهم ومن أجل تحقيق هذا الهدف المهم لا يهتمون بالانتقادات التي تطالهم بسبب الهجوم على المرافق المدنية ومقتل المزيد من المدنيين الفلسطينيين في غزة.
قتلت “حماس” في هجوم مباغت أكثر من 1400 من المواطنين الإسرائيليين وأتباع بعض البلدان الأخرى وخطفت أكثر من 200 طفل وامرأة ورجل ونقلتهم إلى قطاع غزة. هذه العمليات أتت بعد تخطيط دقيق واستعدادات كبيرة. ويطرح المراقبون هذا السؤال لماذا أقدمت “حماس” على مثل هذه الخطوة مثلما تدعي “من دون التنسيق مع (حزب الله) والنظام الإيراني” لخوض معركة من شأنها أن تنتهي بالقضاء عليها؟
وكرر المسؤولون الإيرانيون و”حزب الله” مراراً أنهم لم يكونوا على علم بخطة “حماس” ولم يتدخلوا في هذه العملية رغم دعمهم لـ “حماس”.
المسؤولون الإسرائيليون والأميركيون يعتبرون أن الهدنة تؤدي إلى استعادة قوة “حماس” وتجديد نشاطها لذلك يرون ضرورة استمرار الهجمات المتتالية من أجل القضاء على هذه المجموعة التي تضم 30 ألف عضو.
لكن هل هذا الموقف الذي يرفض الوصول إلى هدنة من دون الاهتمام بحياة الرهائن الإسرائيليين والأجانب يكشف عن خطط شامل وسياسة واسعة بشأن الشرق الأوسط؟
أعتقد أن النظام الإيراني و”حزب الله” لم يتدخلا في الحرب بشكل موقت لهذا السبب، إذ إن الأجواء الملبدة والمظلمة في غزة تكشف بأن هنالك دخاناً يتصاعد من وقود تستعد للقضاء على جميع المجموعات الإرهابية والميليشيات في المنطقة.
اعتبر المراقبون الخطاب الأخير لأمين عام “حزب الله” حسن نصر الله بأنه أسطوانة مخرومة وكشف تخليه عن “حماس” إذ لم يتجرأ في اتخاذ قرار مواجهة إسرائيل. وأثار موقفه وكذلك مواقف المسؤولين الإيرانيين منهم المرشد وقادة العسكر الإيرانيين وغير الإيرانيين، سخرية كثيرين.
لكن الزيارات المتكررة بين هذه المجموعات خلال الأسابيع الماضية تكشف مدى قلقهم بشأن مصيرهم بعد انتهاء المواجهة الإسرائيلية الأميركية مع “حماس”.
على رغم من مقتل العشرات من أعضاء “حزب الله” في المواجهات الحدودية مع الجيش الإسرائيلي لم يعلن حسن نصر الله فتح جبهة مباشرة من جنوب لبنان. لا تضع المجموعات المؤدلجة أي اعتبار لمقتل المدنيين وتخريب المدن، لكن حسن نصر الله يدرك أن خوض معركة مع إسرائيل يعني فتح المجال لأميركا للدخول في الحرب وهذا يعني القضاء على “حزب الله”.
يدرك قادة “جبهة المقاومة” التي تشمل “حماس” و”الجهاد الإسلامي” و”حزب الله” والأب الروحي لها يعني النظام الإيراني أن الهدف التالي لأميركا وإسرائيل بعد القضاء على “حماس” هو القضاء على جذور “محور المقاومة” في المنطقة.
الوضع الاقتصادي السيئ والمأزق الذي يواجه لبنان وفشله في تشكيل حكومة بسبب “حزب الله” تثير سخط اللبنانيين، وإشعال الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل من شأنه أن يثير حرباً أهلية يشارك بها السنة والمسيحيون ومجموعات من الشيعة ضد “حزب الله”. كما أن الإيرانيين غاضبون من المواجهات والتوتر الذي يثيره مسؤولو نظام ولي الفقيه مع العالم.
كنت قد أشرت في مقالات سابقة إلى أهمية منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لأميركا تتمثل بالنفط وأمن إسرائيل. مع توسع استخراج النفط في أميركا تعمل الولايات المتحدة على تقليص احتياجاتها من استيراد النفط من المنطقة. كما أن إسرائيل ومن خلال القبة الحديدية تعمل لردع تهديدات “حماس” والميليشيات الأخرى وأن مخزونها النووي يردع التهديدات الإيرانية.
كما أن السلام الإبراهيمي مهد لإيجاد صداقات وعلاقات بين إسرائيل والبلدان العربية تؤدي إلى الاعتراف بإسرائيل جارة للبلدان العربية.
الجيوش الكبيرة التي كانت تشكل تهديداً لوجود إسرائيل منها ليبيا وسوريا واليمن، إما تدمرت أو يعتريها الضعف.
كانت الولايات المتحدة قد غادرت المنطقة لأن الأمن في إسرائيل متوفر واتخذت استراتيجية جديدة للتعامل مع المجموعات المتطرفة والإرهابية من خلال الدخول في مساومات معها ومنحها فرصاً سياسية واقتصادية بدلاً من الدخول في مواجهات.
واتخذت الولايات المتحدة تجاه “حماس” نفس الأسلوب الذي اتخذته مع “طالبان”. وكان السفير القطري في واشنطن مشعل بن حمد آل ثاني قد أكد في مقال نشر في 29 أكتوبر(تشرين الثاني) 2023 في “وول ستريت جورنال”رداً على اتهام بلاده بمنح ملجأ لقادة “حماس” أن بلاده تستضيفهم باقتراح وطلب من أميركا. وهذه هي نفس السياسة التي منحت “طالبان” إمكانية فتح مكتب سياسي لها في الدوحة.
وقعت الولايات المتحدة اتفاق سلام مع “طالبان” وعملت لإسقاط الحكومة الجمهورية. وتركت الولايات المتحدة ما قيمته 7 مليارات دولار من الأسلحة المتطورة لـ “طالبان” بعد الانسحاب من أفغانستان. وهم يسيرون على نفس الخطى في التعامل مع “حماس”. فقد منحوا تراخيص لـ 18 ألف مواطن في غزة للعمل في إسرائيل كما سمحت بمنح “حماس” 30 مليون دولار بواسطة قطر.
هل هذه السياسية والتسامح الأميركي مع “طالبان” جعل “حماس” تعتقد بأنه يمكن خوض طاولة المساومات من خلال القوة؟
المجموعات المؤدلجة تضع أهدافها على أساس أيدولوجيتها وليس على أساس الواقعيات المعاصرة. أما المفاجآت التي تصدر منها تكشف أهدافها بوضوح مثل هجوم “حماس” في 7 أكتوبر والعمليات الانتحارية لـ “طالبان” والمجموعات الإرهابية المنتمية إليها أو قتل المواطنين الإيرانيين بواسطة النظام أو عدم اكتراث حسن نصر الله بمصير الشعب اللبناني.
أعتقد أن عدم دخول المجموعات المقربة من “حماس” في الحرب يأتي بسبب خشيتها من الإجراءات الأميركية المستقبلية.
يرى حسن نصر الله بوضوح أنه بعد القضاء على “حماس” سيكون “حزب الله” فريسة أخرى للولايات المتحدة. لن تحصل إسرائيل على الأمن الكامل حتى إذا تم القضاء على جميع الميليشيات وأن الحل الدائم يكمن في القضاء على رأس هذه الميليشيات التي تخوض مواجهات بالوكالة، أي إيران، وعودة إسرائيل إلى حدود عام 1967 ومنح الفلسطينيين حقهم في الحصول على دولة إلى جانب إسرائيل. وحرب غزة سوف تكشف مستقبل هذه الميليشيات.
سوف يخاطر نصر الله بالحرب إذا ما رأى تدمير “حماس”. يقترب الشرق الأوسط إلى أكثر المراحل حساسية من شأنها تعيين مصير التطورات التي بدأت قبل أربعة عقود.
هذه التطورات والقلق يراه المسؤولون الإيرانيون بوضوح. وكان وزير الدفاع الإيراني محمد رضا آشتياني، قد صرح في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري أن الولايات المتحدة سوف تتحمل “ضربات ثقيلة” في حال عدم تحقيق الهدنة في غزة.
لكن خلاصة القول: إن الولايات المتحدة قد عادت إلى المنطقة.