كتب وليام غلوكروفت, في “DW” :
على مدى عقود، تنظر الولايات المتحدة إلى إسرائيل باعتبارها حليفا قويا، لكنه صعب في الوقت نفسه. وفي ذلك، يقول خبراء إن حرب غزة كشفت النقاب على أبعاد جديدة وقديمة في العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية.
رغم الخلافات الحزبية الدائمة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إلا أن قدسية العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل ظلت النقطة السياسية الوحيدة التي يتفق عليها سياسيو الحزبين. إذ بقي الالتزام تجاه إسرائيل دون تغير رغم تناوب السلطة والإدارات الأمريكية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وعلى وقع ذلك، شدد قادة الحزبين على أن إسرائيل ليس لديها حليف أقرب من الولايات المتحدة وأن أمن إسرائيل غير قابل للتفاوض.
وبرز ذلك على مدى عقود، فمنذ عام 1948 تلقت إسرائيل ما يقرب من 300 مليار دولار (280 مليار يورو) كمساعدات من الولايات المتحدة، معظمها للأغراض العسكرية ما يعادل ضعف المساعدات المقدمة إلى مصر ثاني أكبر متلقي للمساعدات الأمريكية، بحسب بيانات مجلس العلاقات الخارجية. وللمقارنة فإن عدد سكان مصر 111 مليون نسمة وعدد سكان إسرائيل 9,5 مليون نسمة.
وفي مقابلة مع DW، قال نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، تشاك فريليتش، إن العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية “مدهشة بشكل لا يصدق وتمثل سابقة”. وأضاف فريليتش، المحاضر في جامعة أمريكية وإسرائيلية، أن “القيم المشتركة والمصالح الاستراتيجية واللوبي (جماعات الضغط) القوي الذي يبقي إسرائيل في حضن واشنطن، تعد ركائز العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل”.
يشار إلى أن لجنة الشؤون العامة الامريكية الاسرائيلية المعروفة اختصارا باسم “آيباك” تعد واحدة من أهم وأكبر جماعات الضغط (اللوبي) في الولايات المتحدة، حيث تدعو إلى إقامة علاقات قوية بين البلدين بغض النظر عمن يجلس في سدة الحكم بالبيت الأبيض.
“ميزة استراتيجية”
وعقب تعرض الولايات المتحدة لانتقادات لعدم قيامها بما يكفي لإنقاذ اليهود في أوروبا من المحرقة، سارعت واشنطن إلى الاعتراف بدولة إسرائيل عندما أعلن قادة الحركة الصهيونية استقلالها في مايو/ أيار 1948. ومنذ ذلك الحين، تؤكد إسرائيل على أنها دولة ديمقراطية ليبرالية ذات عقلية تعكس مصالح الولايات المتحدة في منطقة ليست دائما على وئام مع واشنطن.
وفي ذلك، يقول فريليتش إنه “في الأزمنة السابقة، كانت تُعتبر إسرائيل بمثابة محض عبء، لأن الصراع الإقليمي مع جيران إسرائيل من الدول العربية، التي كانت على توافق مع السوفييت خلال الحرب الباردة، كان يهدد بالتصعيد بين القوتين النوويتين العظميين، لكن منذ التسعينات، أصبح البنتاغون ينظر إلى إسرائيل على أنها تمثل ميزة استراتيجية”.
فمع سقوط الاتحاد السوفييتي، أصبحت إسرائيل أداة أمريكية لإبقاء خصوم واشنطن الأقل أهمية مثل إيران ووكلائها في المنطقة، تحت السيطرة، وأدى “هذا الالتزام إلى أقوى تعاون استراتيجي في تاريخ الولايات المتحدة وإسرائيل،” بحسب فريليتش.
الجدير بالذكر أنه عقب هجوم حماس الإرهابي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قامت الولايات المتحدة بإرسال أسلحة إلى إسرائيل بالإضافة إلى نشر حاملات طائرات قتالية في المنطقة واستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد قرارات كانت تدعو إلى وقف لإطلاق النار.
وفي هذا السياق، اعتبر فرايليتش الرد الأمريكي على هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي “رائعا للغاية من وجهة نظر إسرائيل”، مضيفا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أنحى جانبا خلافاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وضع مصلحة الدفاع عن إسرائيل في المقام الأول.
ويذكر أن حركة حماس هي منظمة فلسطينية إسلاموية مسحلة، تصنفها الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، كمنظمة إرهابية.
حرب غزة
تزامن هذا مع تصاعد الإدانات الدولية لحصيلة القتلى في غزة جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع والتي بلغت حتى الآن أكثر من 33 ألفا حسب السلطات الصحية التابعة لحماس. وفي السياق ذاته، خرجت نائبة رئيس الولايات المتحدة، كامالا هاريس، لتقول إنه “من المهم التمييز بين الحكومة الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي”.
وأعرب فرايليتش عن قلقه إزاء التغير الذي طرأ في العبارات التي تخرج عن المسؤولين الأمريكيين مؤخرا، قائلا “هذا ما يُقال عن جمهوريات الموز. إذا لم يغير نتانياهو نهجه قريبا جدا، وإذا لم تكن هناك حكومة جديدة قريبا جدا، فسوف يكون لذلك تأثير دائم “.
وفي تعليقه، قال إيان لوستيك، المتخصص في الشؤون الإسرائيلية وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا، إن الأمر اتسم بالبطء حيث “انتقلت الولايات المتحدة (في علاقاتها مع إسرائيل) من مرحلة الضوء الأخضر إلى مرحلة الضوء الأصفر وحاليا في مرحلة الضوء البرتقالي”.
ويدخل في سياق “الضوء البرتقالي” امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، ما سمح بتمريره وذلك على النقيض من المواقف السابقة.
واحتجاجا على ذلك، أقدم نتانياهو على إلغاء زيارة وفد إسرائيلي إلى واشنطن. ورغم ذلك، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن الولايات المتحدة أبرمت أكثر من مئة صفقة بيع أسلحة لإسرائيل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ويشمل ذلك قنابل موجهة بدقة زنة 2000 رطل بمقدورها تسوية مباني مدينة بأكملها بالأرض.
وفي مقابلة مع DW، أعرب لوستيك عن اندهاشه من “بطء تحرك الإدارة الأمريكية صوب مرحلة الضوء الأحمر”، مضيفا “هذا يمثل خطرا على مصالح الولايات المتحدة في مناطق أخرى وعلى مصالح بايدن في الداخل حيث تشهد الولايات المتحدة عاما انتخابيا”.
وفي هذا الصدد، أعرب مئة ألف مشارك في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي بولاية ميشيغان عن “عدم التزامهم” بالتصويت لجو بايدن، ما يمثل نحو 13,4 في المئة من الأصوات. ويقطن ولاية ميشيغان الكثير من الأمريكيين العرب والمسلمين الذين دعموا بايدن وساهموا في فوزه عام 2020.
وأضاف لوستيك “هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها تأثيرا سياسيا للانتقادات الموجهة لإسرائيل، مما أصبح يلقى اهتماما إعلاميا وقوة جذب في السياسة الأمريكية”.
التوترات بين الأصدقاء
يأتي ذلك بالتزامن مع تزايد قوة الأحزاب المتطرفة في إسرائيل وصعودها إلى السياسية في ظل حكومات متعاقبة تحت قيادة نتانياهو.
وقد تزايدت الخلافات بين إدارة بايدن وقبله أوباما من جهة وبين إسرائيل من جهة أخرى في ضوء مساعي الحكومات الإسرائيلية المتنامية إلى تكريس الاحتلال وإحكام السيطرة على الفلسطينيين. وقد تصادم الجانبان بشأن قضايا جوهرية مثل إيران والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ومصير قيام دولة فلسطينية.
ويقول مراقبون إن الرأي العام الأمريكي المتغير تجاه إسرائيل قد يفرض في نهاية المطاف تصحيحا لمسار العلاقة بين البلدين، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى انقسام متزايد بين الناخبين الأكبر سنا، الذين مازالوا يتذكرون اتفاقيات أوسلو عندما بدا حل الدولتين ممكنا، والناخبين الأصغر سنا الذين لا يعرفون عن إسرائيل إلا استخدمها لتفوقها العسكري لتجنب أي تسوية سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين.
ويشمل ذلك عددا متزايدا من اليهود الأمريكيين ذوي الميول العلمانية والليبرالية الذين باتوا يشعرون ببعض الاغتراب عن إسرائيل، حيث يرونها تسير في اتجاه آخر. ويقول خبراء إن هذا الأمر لن يتسبب في آثار ثقافية فحسب وإنما قد يلقي بظلاله على الأمن القومي.
وفي ذلك، يقول لوستيك إن “القيم التي يتبناها جيل الشباب ستصبح قوية في الولايات المتحدة على المدى الطويل وسوف تصطدم إسرائيل بذلك. ليخرج السياسيون الأمريكيون ويقولوا: انتظر! رغم النجاح في التعامل مع ذلك قبل 25 عاما، إلا أننا نواجه في الواقع المزيد من المشاكل في مساعي تلبية احتياجات منظمة آيباك”.